حذيفة أعبيا
تمنيت لو أن الصراع القائم بين الفصائل الطلابية ، يتحول الى حوار سلمي ونقاش فكري في أرقى صوره ، بعيدا عن تلك المزايدات الجارفة الى العنف والاقتتال والتذبيح ، لكن مع الأسف هذا ما أريد له أن يكون ، بأن يظل كل شيء متمركزا حول العنف ، والفوضى تعم المجتمع مكتسحة عقلية شريحته الفتية ، فتنطفأ شعلة الازدهار، والتي طالما حلمنا بأن تخطو بنا قدما نحو الأمام ، فتصير أمتنا مبنية وفق أساس متين ، لكن مع الأسف ، هذا ما لم يسمح له أن يكون ، فوعي شبيبة المجتمع بهوية الفكر المتحضر ، لا يخدم مصالح أنصار الفساد ، سواء تعلق الأمر بالظرفية الراهنة أو فيما مضى ، فتفطن الشباب الى ما تخلقه لهم هذه التفرقة ، و حشوها بالوعي والسلمية ، هو بمثابة خطوة كاشفة للمستور ، وتهديد لذاك النفوذ الذي أفنوا أمد سلطتهم فيه ، كل ذلك على حساب شعب بريء ، كل أمله في أن يحظى بعيش كريم.
وبحديثنا عن وجود أنصار للفساد بالبلاد ، فان هذا لا يعني اقصاءنا لمجموعة من الأناس الشرفاء ، والذين اعتبروا أن خدمة مصلحة هذا الوطن والشعب ، هي بمثابة أمانة ملقاة على عواتقهم ، والدور الذي خلقوا لأجله ، ايمانا منهم بأن الانسان قد خلف الله في أرضه ، حتى يعمرها ويخدمها لأجل أخيه الإنسان إلا أن ما يحز في النفس هو وجود أفراد ينتمون الى نفس الوطن ، والذين اختاروا الوقوف الأخيار ، كحجر عثر في طريقهم ، كائدين لهم غير مبتغين للإصلاح، لأن الأمر يعني نشر غسيلهم و كشف عوراتهم ، ولأن تاريخهم يشهد عليهم بالسواد ، فمن الطبيعي أن لا يروق لهم الأمر. الاصلاح هدف سام ، وهذا ما جاء به بعض من الرجالات الشرفاء ، حتى نتمكن وبشكل تدريجي من تغيير العقليات ، ودرأ المخلفات التي عششت في مفكرة هذا الشعب المسكين ، والذي مورست عليه شتى أنواع العنف والعدوان ، منها ما هو مادي جسدي ، وآخر معنوي فكري.
ان كانت ممارسة العنف من بين الأمور التي جوزي بها هذا الشعب ، فقد كان من الضروري أن ينال الطالب، وبصفته مكونا من مكونات هذا الشعب قسطا أو نصيبا من هذا العنف ، وذلك اما عن طريق هضم حقوقه أو بتجريده من هويته ، ولم لا ادخال العنف الى ثقافته. نعم فهذا ما حصل ، لقد تم تسريب العنف الى داخل أسوار الكلية ، فصار كالسم يسري في العروق ، أو مخدر أجهز على العقل فأدخله حالة غيبوبة ، فصار غافلا عاجزا عن التفكير أو التأمل. بطبيعة الحال فتوجيه الضربة لم يكن مباشرا ، انما جاء جزئيا وفي مراحل متسلسلة ومتقطعة ، وذلك عن طريق ارهاق الجسد الطلابي ، بإدخال فكر التفرقة بين صفوفه وعناصره ، هذه التفرقة التي أعطوها تسمية الاختلاف الفكري وحرية ابداء الرأي ، فكيف لا وهي الذريعة المناسبة لإسقاط الطالب في الفخ. هكذا أصبح الطالب المنتمي يخدم أجندة غيره دون علم منه، أو ربما هي بعلمه لكن الضرورات أباحت المحذورات، فصار ورثة قوم عاد وثمود يراقبون من بعيد، شباب شعب مثقف يأكل بعضهم بعضا، فلا يتراحمون بينهم إلا بإزهاق الأرواح.
الكلية هي ملك لجميع الطلبة ، مهما كنت ومهما كانت ظرفيتك الاجتماعية أو العقائدية . انها فضاء بن الفلاح والإمام ، الفقيه والعامل ، الديني أو لاديني ، فالرغبة في تحصيل المعرفة لا يمكن حصرها عند فئة معينة، لكن الأمر يعتبر محرما في حال ما صار العنف نهجا متخذا تحت أية ذريعة. وأملا مني في المستقبل ، فاني أتمنى كلية ثقافية خالية من الاقتتال وسفك الدماء ، فالفكر البشري عليه أن يكون في تطور لا في تراجع ، فنحن لسنا أقل من غيرنا حتى ينطلي علينا هذا القالب. ان هدف أنصار الفساد الأساسي ، هو احالة جميع أفراد هذا الشعب الى التخلف ، ولأن الفئة الطلابية ما يشكل تهديدا لهم ويؤرق مضجعهم ، كان التفكير في بث العنف في أوساطهم، وسيلة للتخلص منهم وزعزعة وحدة صفهم ، ولأن العنف لا يمكن خلقه عبثا ، ولا بد له من عوامل وخلفيات ، كان التركيز على استغلال حماسة الشباب وحبه للنضال ، وإبداء وجوده كهوية منتمية لهذا الوطن ، حتى تكون ضربة لا يشق لها غبار. انه أمر تم التخطيط له من قبل ، ونجاح الفكرة دليل على قدمها ، ناهيك عن تملص الجميع من كل ذاك الزخم ، اذ يرجعونه على الدوام الى تهور وطيش شباب ، تملصا من الاعتراف بالمسئولية . انها مؤامرة دنيئة ، والغرض منها قتل هذا الجنين ببطن أمه ، شعلة الأمل لتقدم هذا المجتمع ، انه غل وحسد ، حتى يظل الغني غنيا والفقير فقيرا ، الزعيم متزعما والمرؤوس مرؤوسا ، فتأتي علينا أيام فيسير بلادنا ، اناس انبثقوا من أصلاب فاسدة.
ان المسئول عن خراب البلاد ، ليس هو كما يمرر بينكم ، انما هم أفراد عرف الفساد طريقهم وعرفوه اليه ، فلم يكن الأمر بالجديد عليهم انما أخذوه عن معلميهم للخيانة ، هم نفس الأشخاص الذين كانوا يكيدون لهذا الوطن في عهد الاستعمار ، فيمنون أنفسهم ببقائه حتى يكتنزون ، حلموا بإخلال الرابط المقدس بين الشعب وسلاطينه وفشلوا ، وهاهم الآن أحفادهم وأبناءهم لا زالوا يكيدون ويدسون الدسائس ، اذ لن يهنأ لهم بال إلا بخراب مالطة ، لكن ذاك بعدهم في ما يحلمون.لهذا فبناء هذا الوطن لا يمكن تحقيقه دون فئة شبابية فتية واعية ، والتي تتمثل في الجماهير الطلابية الصامدة الأبية ، لكن في وحدة صف لا تفرقة ، في فكر متحضر لا عنف ، في اختلاف ونقاش لا خلاف وقتل. وطننا زاخر بفئات مثقفة ، معظمهم شباب واعد ، حلمه اعلاء راية الوطن وإسماع كلمة أمته ، لذا ولتحقيق المبتغى وجب التعقل والتفكير ، فالمهمة ليست بالسهلة ولن تكون ، انما نحن أمام تحد حقيقي ، وعدو يرغب في افتراسنا لذا فرقنا ، أما وان تكتلنا فلن يكون بمستطيع فعل ذلك.