حذيفة أعبيا
معارضتي للتفرقة التي تعيشها الأوساط الطلابية ، لا تعني دعوتي الى اقصاء حرية التفكير أو التعبير ، لكن حبذا لو أن الأمر يكون بعلم لا جهالة ، بهدف خدمة قضية لا من أجل ملئ فراغ وجداني معين ، ايمانا بالمسئولية وكذا الرسالة السامية التي يدافع عنها أي فرد.سمو رسالتك وقضيتك التي تتبناه ، متوقف على الطريقة والنهج المتخذ من طرفك للتعبير عنها ، فان كان تبنيك للعنف كوسيلة تدافع بها عن قضيتك ، فاعلم أن رسالتك ستلقى فشلا ذريعا ، حتى وان كنت المسيطر في الأرجاء والأروقة ، لأن نفوذك ذاك لم يتم الا عن طريق ترهيب البقية ، وهو أمر طبيعي أن ترى الطلبة عاجزين غير راغبين عن الافصاح بما لديهم ، لأنك مستخدم معهم سياسة التعنيف والتجريح ، لهذا يمكنني أن أقول لك من البداية أن هدفك ليس الدفاع عن قضية انسانية معينة ، انما غايتك تفريغ ما تعانيه من أزمة نفسية ، بفرض سطوتك المدعوة بالأنحاء.
استخدام فصيل معين للعنف مع البقية ، يعني عدم ايمانه بحرية الفكر ولا الاختلاف ، انما هو ضحك على الذقون ، يسعى الى اقناع الجماهير بأمر لا محل لها من الوجود ، أو لعله يخدع نفسه محاولا أن يبرر لها ، العوامل التي جعلت منه شقيا شأنه شأن الغوغاء ، أو جماعة من قطاع الطرق ، والذين لا طموح لهم في الحياة ولا هدف ، إلا بإسقاط معاني الانسانية عند الآخرين، كما فعلوا سابقا بأنفسهم ، فأنى أمكن لمن يكره الخير لنفسه بأن يحبه لغيره.لعل ما يعانيه البعض من هؤلاء جراء القسوة التي واجهتهم بحياتهم ، كان سببا في أن يصير العنف ارث ماضيهم ، فكان من المحتم عليهم أن يلبسوا آلامهم طعم اللذة ، وذاك بتنفيذ شتى أنواع الاعتداءات على غيرهم ، الاشكال الذي يجعلك حائرا في هوية الفئة التي ستتعاطف معها ، هل هي الضحية أم ضحية الضحية ؟ بطبيعة الحال المنطق يرجح كفة التعاطف مع الفئة الثانية ، والتي لا ذنب لها في ما اقترف سابقا في حق اولئك الأفراد ، والذين كان نصيبهم الشفقة عليهم ومن حالهم ، لا التعاطف معهم.
وبالنظر الى مثال آخر من الأفراد المتبنين للعنف ، فانك قد تجد انتماء البعض منهم الى فصيل معين ، لم يكن بغرض الدفاع عن اسم ذاك الفصيل أو تبني أفكاره ، أو حتى بما ذكرناه سابقا ، انما كان يسعى الى خلق هالة من الهبة لنفسه أمام الآخرين ، اذ يعتقد أن ذات الأسلوب ما يمنحه قيمة أمام أقرانه ، بأن يخضع ذاته لخيالها الخصب ، فيتوهم لعب دور الفارس المغوار ، حامي الديار والصبايا الأحرار.انه مشكل آخر نفسي ، يعاني صاحبه من اهتزاز في الثقة ، والتي كان وراءها الكبح المترتب عن قمع وتهميش عرفه في وسط معين ، لهذا فإقدامه على العنف في مثل هذه الخطوة ، يفسر حاجته الى تفريغ ما خلفه به الاقصاء ذات وقت ما ، فيصير له وبدوره ضحايا لا ذنب لهم في ما كان قد حصل معه.هذا مثال عن تلك الفئة التي تستغل انتماءها ، حتى تبسط سطوتها على زملائها ، فتجد فكرها خاليا من الواقعية ، وفي نفس الوقت غير معتمد عليها في تسيير أمور فصيلها ، أو التدخل في قراراته الحاسمة ، انما تابعة وحسب ، ذاك لأن كل ما كان يهمها هو غمر الاحساس بذاك الوجود.
ولان أنصار الفساد على علم بكل هذه الأمور ، باعتبارهم من خلق ذاك الجو من القمع بالخارج ، فقد استغلوا الوضع وجاروا الوقائع لصالحهم ، والتي لم تحدث من تلقاء نفسها أو من وحي الصدفة ، انما تم التخطيط لها.فتح المفسدون الباب على مصراعيها لهذه الفئة ، بأن جعلوا منهم بيادق في أيديهم ، يحركونها متى شاءوا وأينما رغبوا ، مانحين اياهم كل الصلاحية في استخدام كل اساليب التعنيف والترهيب ، كيف لا وهم صناعة أيديهم ، أجساد نفثوا في أرواحها سم العدوانية فصارت خبيثة ، ميالة لاقتراف أبشع الجرائم وأفظعها ، فلا يستيقظ ضمير أي أحد منها ، بعد عملية التخدير وغسيل الدماغ التي أجريت عليها.أصبح العنف هواية عند هذه الاطراف ، بل مصدرا لكسب القوت ولقمة العيش ، بحيث هو مجبر على سفك دماء غيره ، حتى يفوز بمرضاة أسياده ، فتظل استمراريته وكذا ريعه الذي هو هناك لأجله. أما تجاهل الأمر فلا يضمن له بقاء.قد يكون البعض من الأفراد المنتمين الى فصيل ، لا يعتمد سوى العنف كوسيلة تعبير له ، غير راضين اطلاقا بالوضع ، كارهين للعنف نابذين له ، لكن تموقعهم وسط جماعة يؤمن معظمها بالعنف ، يجعلهم مضطرين لتقبل الأمور دون نقاش ، و إلا مورست عليهم الآخرون نفس السياسة وطبقت ، بل سيحالفهم الحظ ان قوبل طلب انسحاباتهم دون شروط ، لان متبني العنف كثيرا ما يكون كثير التخوف ، وذاك ادراكا منه بسوء ما يرتكبه أو يفكر به. لن يقبل السادة ناشروا الفساد وباعثوه ، بأن يحدث لهم خلل في تخطيطاتهم أو تعارض ، لأن الأمر يقلل من حظوظهم في تحقيق مساعيهم ، لذا كان تطبيق اقصى العقوبات على المعارض الحل الأنسب لهم ، وبطبيعة الحال لن يتم التنفيذ من طرفهم ، انما تحت وصايتهم وأوامرهم ، اما المؤيد المساير لطرحهم ، فهو في ترف الى حين. هكذا حين يصير شبابنا أداة بين أيدي الأعداء ، يستخدمونها في بث الدمار والخراب ، تهديد سلامة الوطن والأمن العام ، يتمون عملية اجهاض أحلامهم ، الحاقا بما بدأوه في السابق. شبابنا في محنة ، بل في مصيبة ينبغي التيقظ لها ، واصلاح ما يمكن اصلاحه ، لأنه وان استمرت الأمور على هذا النحو ، فمن الأكيد أننا سنصبح ذات يوم غرباء بالكامل عن بعضنا البعض.