رئيس الحكومة يستعرض مظاهر صمود المغرب في وجه التقلبات الظرفية

مواطنون يطالبون المسؤولين بتزفيت الطرقات بتجزئة الآفاق بوجدة

هذا ما قاله سعيد شيبا مدرب الفتح الرباطي بعد الخسارة أمام الوداد

آيت منا فرحان بفوز الوداد على الفتح وكياخذ سيلفيات مع اللاعبين

الأعراس بالشرق.. تقاليد مغربية راسخة لم تنل منها السرقة الجزائرية

بطريقة غريبة... مشجعان يقتحمان أرضية ملعب البشير قبل مواجهة الوداد والفتح

ملامح فقراء بعيون غادرة

ملامح فقراء بعيون غادرة

الحسن فاتحي

 

ليس بجديد علينا أن نقرأ في جريدة يومية عن أخبار الجرائم وعمليات النصب والسرقة وغيرها من الأمور السلبية المألوفة بعدد من المدن الكبرى وخاصة السياحية والاقتصادية منها، هذه الآفات تكون حسب أغلب المتتبعين نتاج مجتمعات تعيش على الأزمات وعلى التناقضات بين مختلف الفئات الاجتماعية بين قمة الفقر وقمة البذخ بين من يسكن الفيلات ومن يسكن البراريك والأكواخ بين من يركب السيارات الفارهة ومن يجر ورائه الدواب إنه عالم المدن التي لا تهدأ ولا تعرف السكون وهي بعيدة عما تعيشه البوادي من هدوء وطمأنينة وسيادة الأمن والأمان.

لكن أن تسمع عن مثل هذه الظواهر السلبية وهي تصل إلى القرى وهذه المداشر البعيدة فذلك يدعو للاستغراب لا محالة وهي من علامات التحول كذلك داخل هذه النظم الاجتماعية البئيسة والهشة أصلاً، ففي الأيام القليلة الماضية اندهشت لسماع خبر مفاده أن مهاجرة أوروبية قدمت مؤخراً إلى إحدى المناطق النائية التي طالها نصيب مهم من التهميش والنسيان لعقود من الزمن. المهاجرة الجميلة الشقراء والحنونة كعادة الأوروبيات تأثرت ببعض المشاهد الانسانية التي واجهتها وعايشتها خلال جولتها السياحية بالمدينة على وجوه أطفال بعمر الزهور والحاجة الكبيرة التي توجد عليها قريتهم الجميلة رغم غياب البنيات التحتية المؤهلة ومدارس في المستوى وأماكن لعب الأطفال ومنتزهات تنسيهم وجع التراب واللعب في الغبار والمستنقعات المألوفة كي تكتمل بفضلها مواطنتهم الكاملة.

 كل ذلك دفع العيون الزرق لأن تعلن تضامنها معهم ومع منطقتهم الفقيرة ولو بالقليل مما تجود به أوروبا أرض الأحلام حال عودتها، ففكرت ووعدت ووفت بجلب بعض الأمتعة والأشياء واللعب التي قد تساعد على إدخال الفرحة إلى قلوب أطفال المنطقة المهمشة في نظرها لأن أبنائها يستحقون أكثر من ذلك وتنسيهم في القليل مما يعانونه من تمييز ونقص وحاجة رغم أن سمات وجوههم السمراء تحيل على أنهم أقوياء وشجعان بطبعهم لا تغلبهم الطبيعة رغم قساوتها وما بال قهر يطالهم من ولي أمرهم بني الإنسان.

وما إن تقدمت تلك المهاجرة لتفي بوعدها واشترت كل ما تستطيع سيارتها الصغيرة حمله حتى وقف عليها بعض أبناء المنطقة ممن يتقنون بعض الحروف من لغة "موليير" بداعي مساعدتها على توزيع هذه المساعدات على المحتاجين والوقوف إلى جنبها في كل المراحل. أحست الأوروبية الحنونة بسبب حدسها وفطرتها السليمة أن شيئا ما قد لا يكون على ما يرام بسبب اقتراب عدد هائل من أبناء المنطقة بين مهووسون بالفضول وبين الطريقة غير النزيهة وغير المنظمة والمعروفة التي ينتهجها بعض المسؤولين في مثل هذه الحملات. وكيف يُحرم من يستحق الدعم وتلك المساعدات لتقدم عن طريق المعارف والزبونية إلى غيرهم باستدعاء وإشراك الأهل والأقارب للاستفادة من هذه الأشياء البسيطة التي لن تغنيهم في شيء اللهم عمق رمزيتها ودلالتها الإنسانية إلا أن في مثل هذه المناسبات الكل يترصد الفرصة ويسجل اسمه ضمن خانة المحتاجين والفقراء ويضيع بذلك فاعل الخير بين الجميع.

لم تلزم الصمت وهي ترى الظلم والمنكر أمام أعينها وكأنها السبب في ذلك الجحيم وبين الفينة والأخرى تشاهد مساعدها يلوح بأشياء ويقدمها لأشخاص بعينهم وينهر في وجه أشخاص آخرين بكلمات تفهم مضامينها أكثر مما تفهم معانيها. ما أثار فزعها بنوع من الاستغراب وعدم الرضى فقررت أن تشرف على العملية بأكملها وتقوم بتوزيع كل تلك الأشياء بنفسها وعلى من يستحقها حرصاً على إحقاق الحق كما تربت على ذلك في أوروبا...

 وفي غفلة من الجميع وسط جموع الناس التفت مجموعة من أبناء المنطقة إلى سيارة مرقمة بلوحة مسجلة في الديار الأوروبية واسترقوا النظرات إلى ما بداخلها بنوع من الفضول ولاحظوا أن الشقراء المسكينة انسجمت مشاعرها الانسانية مع مشاعر أبناء الفقراء وغرقت في توزيع المساعدات على الأطفال فاستغلوا بذلك الفرصة ودخلوا إلى السيارة وقاموا بسرقة أشياء ثمينة في ملك الحسناء الحنونة وبها جهاز حاسوب يحتوي على ملفات خاصة ووثائق مهمة دون الحديث عن ثمن الجهاز الخيالي، والمفاجأة المرة والفاجعة أن محتويات السيارة طارت بما فيها وطار معها السارقون والغبار من ورائهم وهم يتغنون بما أخذوا فرحون تاركين الجميع إلى غير رجعة.

لم تصدق السيدة المسكينة ما حصل ونزل عليها كالصاعقة عندما هرول إليها طفل صغير وأخذها من يدها ينعت بها إلى السيارة والمكان الذي سلكه الخونة وكـأنه تأثر بهذا الفعل الشنيع ويريد أن يقول لها أسرعي سأدلك على مكانهم. انتظرت الحنونة بعض الوقت وهي جالسة تبكي من شدة قلقها على نفسها بعدما حل بسيارتها وأصبحت تخشى على حياتها أيضاً وتقول في نفسها أهكذا يجزى فاعل الخير في هذه المناطق. توسلت الغريبة شيخ القبيلة ومن معه من الجمهور الغفير وأصحاب الفضول ووعدت بالمال من يعيد لها ما سرق منها قبل أن يضيع. لم تكن تطلب الشيء الكثير فقط أن يتم استرجاع حاسوبها الثمين الذي قالت أنها قد تدفع أي شيء مقابل استرجاعه نظراً لما يحتويه من معطيات وأشياء شخصية مهمة...

بعد ساعات من الانتظار بدأ اليأس يدخل إلى أعماقها، فأخذت هاتفها المحمول الذي كان معها لحسن حظها وأخبرت مصالح الأمن بالحادثة ووقائها، لينزل رجال الدرك إلى المنطقة بسرعة لأن لون عيونها لا يشبه لون أبناء القرية في شيء وكعادتهم وبطرقهم الخاصة والمعروفة سواء بترويع المواطنين بالحزام أو عن طريق استخدام المخبرين قصد الوصول إلى مدبري السرقة.

وبالفعل تم الوصول في أقل من يوم إلى الفاعلين وتم القبض عليهم وحجز ما تمت سرقته واسترجعت المهاجرة الحنونة المسكينة ما أخذ منها وهي في غفلة أرادت مساعدة أبناء الفقراء والمحتاجين ومن تظهر على وجوههم آثار التهميش والإقصاء وخدشات الزمان إلا أن صدمة هذه الواقعة دفعت بها إلى حزم حقائبها والهجرة في اليوم الموالي ولم تكد تصدق هول الصدمة التي حلت بها وانطلقت مغادرة المنطقة تاركة أبنائها في فقرهم يسبحون وفي مرضهم ومعاناتهم يمرحون.

 

 أما أبناء المنطقة من الغيورين على شرفها وسمعتها فقد انتشر الخبر بينهم كالإشاعة تتقاذفها الألسنة ولا حول لهم ولا قوة لأن السرقة والعار والعيب بالنسبة إليهم ثقافة يرثها الأبناء عن الآباء عن الأجداد والأطفال بدورهم في انتظار ضحية أخرى تغريها تقاسيم أوجههم التي توحي إلى الفقر والحاجة وتضمر بداخلها الخيانة وكل الصفات الدنيئة ...


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات