إعداد: عبد الله أموش
شخصيات أَعادتها الثورات، ورُفعت لها الشارات والشعارات، وهَتفت بحياتها مئات المئات، ورُسمت صورها على اللوحات، وقُدمت لها التحيات والشعارات، وأُقيمت لها النصب في الساحات، ودَون لها التاريخ العبارات والكلمات:
"... جرت العادة من قديم الزمان أن أهل البلاد يعزلون الولاة حتى الخليفة، والسلطان إذا سار فيهم بالجور فإنهم يعزلونه ويخلعونه" بهذه العبارة واجه الثائر والزعيم الشعبي المصري عمر مكرم (1750-1822) أحد أعوان الحاكم خورشيد المستبد.
واليوم ينتصب تمثاله في ساحة ميدان التحرير كشاهد على ثورات مصر الحديثة. لكن الرجل مع ذلك "لم يُعرف فضله ولا كوفئ على جهاده، بل كان نصيبه النفي والحرمان والإقصاء من ميدان العمل، ونكران الجميل"، كما وصفه المؤرخ الرفاعي. وقد سلف قول المناضل تشي غيفارا: "إن الثورة يصنعها الحالمون… ويقودها المجانين…. ويفوز بها الانتهازيون.."
مولد النقيب عمر مكرم
ولد "عمر مكرم" حوالي (1750م) في أسيوط، ثم انتقل إلى "القاهرة" للدراسة في الأزهر الشريف، وعندما أنهى دراسته ولج غمار الحياة العامة، فعين نقيبًا للأشراف سنة (1793م)، وهي نقابة تضم المنتسبين لآل البيت، ولها مكانة عالية عند العامة والخاصة.
زعامة الثائر عمر مكرم الشعبية
ظهر "عمر مكرم" كقائد شعبي عام (1795م) عندما قاد حركة شعبية ضد ظلم الحاكمين المملوكيين "إبراهيم بك" و"مراد بك"، وكان مطلب هذه الحركة "العدل"، واستطاع أن يخفف الضرائب عن المصريين.
وعندما ابتليت مصر بالحملة الفرنسية في (1798م) استنفر "عمر مكرم" الشعب للمقاومة، فخرج بجموع غفيرة للقتال، لكن المماليك كانوا أبعد ما يكونون عن أسلوب ذلك العصر في القتال واستخدام الأسلحة الحديثة، فكانت هزيمتهم النكراء في "معركة إمبابة" التي تحمل الشعب أغلب تضحياتها.
قرر "عمر مكرم" الرحيل عن القاهرة واتجه إلى "بلبيس"، وكان وجوده فيها عاملا رئيسيًّا في إثارة مديرية الشرقية ضد الفرنسيين. وبعد هزيمة الصالحية في (غشت 1798م) ارتحل إلى "العريش"، ومنها إلى "غزة"، فصادر "نابليون بونابرت" أمواله، وعزله عن "نقابة الأشراف"، ثم ألقي القبض عليه في "يافا"، فالتقى به "نابليون"، ثم وُضع تحت الإقامة الجبرية في "دمياط"؛ فكان الشعب يتردد عليه، ثم انتقل إلى "القاهرة" واعتكف فترة عن الحياة السياسية.
شارك في "ثورة القاهرة الثانية"، وكان من زعمائها البارزين، وذكر "الجبرتي" في تاريخه "عجائب الآثار" أن "السيد عمر أفندي مكرم نقيب الأشراف خرج وتبعه كثير من العامة" واستمرت هذه الثورة ثلاثة وثلاثين يومًا، إلا أنها فشلت؛ فرحل إلى الشام، ولم يعد إلا مع الجيش العثماني الذي دخل القاهرة في 1801م.
ثورة مايو 1805 وعزل الشعب للحاكم عن العرش
عمت الفوضى السياسية مصر بعد خروج الفرنسيين، وتسابق الجميع للسيطرة على حكم البلاد، وعندما استقر الحكم للوالي العثماني "أحمد خورشيد" نزع إلى الظلم والشطط في فرض الضرائب حتى ضج الشعب؛ فنصحه "عمر مكرم" وعدد من العلماء بتحري العدل، ولكنه أبى ذلك، فقاد عمر ثورة شعبية مسلحة ضد هذا الحاكم المستبد، واستنفر الشعب لحمل السلاح، فلبى الشعب النداء، وحاصر الحاكم في قلعته، وبعد قتال عنيف انكسر خورشيد، واستطاع الشعب أن يعزله عن الحكم، ويولي حاكمًا جديدًا هو "محمد علي". استمرت هذه الثورة المسلحة بقيادة "عمر مكرم" 4 أشهر، وأعلنت حق الشعب في تقرير مصيره واختيار حكامه، وفق مبادئ أشبه بالدستور تضع العدل والرفق بالشعب في قمة أولوياتها.
صعد "محمد علي" لحكم مصر بتأييد الزعامة الشعبية التي قادها "عمر مكرم" وفق مبادئ معينة في إقامة العدل والرفق بالشعب لكنه سرعان ما انقلب على الزعيم عمر مكرم فقام بنفيه فاستمر "عمر مكرم" في منفاه ما يقرب من 10 سنوات، وعندما حضر إلى القاهرة في (9 من يناير 1819م) ابتهج الشعب به ولم ينس زعامته له. فأرق ذلك محمد علي؛ وعندما انتفض القاهريون في (مارس 1822م) ضد الضرائب الباهظة نفاه محمد علي ثانية إلى خارج القاهرة؛ خوفًا من أن تكون روحه الأبية وراء هذه الانتفاضة، لكن الموت كان في انتظار الزعيم الكبير حيث توفي في نفس السنة بعد أن عاش آلام الشعب، وسعى لتحقيق آماله، وتحمل العنت من أجل مبادئه.
الزعيم عمر مكرم أعادته الثورة المصرية ضمن رموزها، وقديما قيل إن التاريخ لا يمحو أثر العظماء.
زائر
شكرا للجريدة على هده النفحات التاريخية والتثقيفية التى تنعش داكرتنا.