"عبد النباوي" يوصي المسؤولين القضائيين الجدد ويؤكد على أن المسؤول صاحب قرار وليس منفذ فقط(النص الكامل للكلمة)
أخبارنا المغربية
أخبارنا المغربية:الرباط
وجه "محمد عبد النباوي" الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، مجموعة من الوصايا والتوجيهات للمسؤولين القضائيين الجدد.
وبمناسبة كلمته يوم أمس الأربعاء 10 أبريل الجاري، خلال الدورة التكوينية لفائدة المسؤولين القضائيين الجدد(الذين تقلدوا لأول مرة مهام التسيير القضائي والإداري للمحاكم) المنظمة بفندق الرباط، أكد رئيس النيابة العامة على أن المسؤول القضائي هو صاحب قرار وليس منفذ فقط.
وهذا النص الكامل لكلمة "عبد النباوي":
بمناسبة الدورة التكوينية لفائدة المسؤولين القضائيين الجدد
الأربعاء 10 أبريل 2019 بفندق الرباط
حضرات السيدات والسادة رؤساء المحاكم ووكلاء الملك لديها؛
الكثيرون من بينكم يتقلدون مسؤولية التسيير القضائي والإداري للمحاكم لأول مرة، رغم التجربة المهنية الطويلة لبعضهم، كقضاة للحكم أو للنيابة العامة.
ولا بدَّ أن تعلموا أن تسيير المحاكم والنيابات العامة لا يتطلب بالضرورة التمَيُّز في ممارسة المهام القضائية، وإن كان هذا التمَيُّزُ يساعدُ المسؤول في بعض جوانب التأطير المهني للقضاة والنواب.
ولكن الإدارة القضائية تتطلب مهارات أخرى، لم تتعلموها في معهد القضاء. ولم يُتَح للكثيرين من بينكم ممارستها ولو بكيفية عرضية خلال مسارهم القضائي.. فهي تقوم على علاقات متشابكة، يكون فيها المسؤول القضائي مدبِّراً للعلاقات المهنية مع رؤسائه ومرؤوسيه من القضاة، ومع أعضاء الدفاع، ومصالح كتابة الضبط أو كتابة النيابة العامة، ومع المنتسبين للمهن القضائية المختلفة، كالمفوضين القضائيين، والخبراء، والعدول وغيرهم. ومع المتقاضين باختلاف مشاربهم، ومع السلطات المحلية والإعلام.
وبالنسبة للنيابة العامة مع ضباط الشرطة القضائية بانتماءاتهم المهنية المتعددة، ومع مصالح الطب الشرعي، وموظفي السجون، وفعاليات المجتمع المدني وغيرهم.
وهي علاقات تتطلب إتقان أساليب الحوار والتشاور، وبناء جسور التواصل، بالثقة والمصداقية. التي لا بد من إقامتها على الثوابت الأخلاقية وعلى القيم القضائية الراسخة.
كما أن مهامكم الجديدة تقتضي إجادة تدبير الأزمات وحسم الخلافات، بالوقاية منها وتلافي مسبباتها، بين مختلف مكونات المحكمة، عن طريق التنظيم المحكم لطرق العمل، وضبط أساليب تصريف الأشغال وتحديد آجالها وتوفير شفافية الإجراءات ووضوح الخدمات، وفرض الاحترام الواجب عن طريق الإقناع وإثبات حسن النية.
ولا يمكن النجاح في هذه المهمة من غير أن يعمل المسؤول القضائي على فتح باب مكتبه لاستقبال المواطنين وكافة المرتفقين والمتقاضين، والاستماع إليهم، والمبادرة السريعة لحل مشاكلهم، أو توضيح القرارات المتخذة لهم، وتبسيط الحوار من أجل محاولة الوصول إلى إقناع المعنيين بالأمر.
حضرات السادة المسؤولون القضائيون؛
يعتبر المسؤول القضائي بمثابة رئيس مقاولة، يجب أن يتقن فن التسيير والتدبير ويتابع مراحل الإنتاج. غير أن مردودية المقاولة القضائية، لا تتمثل في أرباح مالية واقتصادية، وإنما في المساهمة الإيجابية في حفظ الأمن والنظام العام بمختلف تجلياته الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتقوية الثقة في نظام العدالة، في زمن تطغى فيه ثقافة التشكك في أحكام المحاكم، وتستشري فيه اتجاهات فقد الثقة في الأنظمة القضائية..
ولذلك يجب أن تتوفروا على برنامج عمل تضعونه بعد الاستماع لمختلف الفعاليات القضائية والحقوقية والمجتمعية، وبعد فهم وتفهم مطالب المواطن للعدالة وانتظارات المجتمع منها. كما أن وضع البرنامج غير كاف وحده، إذ يلزمكم التوفر على لوحة قيادة تضبط المهام والمسؤولين عليها وكيفيات وأدوات التنفيذ وآجاله.
وبطبيعة الحال فإن المسؤول الناجح لابد أن يضع مؤشرات لنجاعة عمل مؤسسته، يستطيع أن يقيس بها مستوى الأداء المهني ويعرف مقدار النجاح الذي تم تحقيقه، ونقط الضعف التي لم يتمكن من تجاوزها، بحيث يتم وضع مؤشرات خاصة بكل مهمة ) مثل المعيار الكمي: عدد القضايا المسجلة وعدد القضايا المحكومة ونسبة المخلف، والمعيار النوعي أو القيمي، عدد الأحكام الصادرة، وعدد الطعون الممارسة وعدد الأحكام المنقوضة، حتى يعمل في المستقبل على تقليص النقط السلبية، وكذلك المعيار الزمني : زمن البت في القضايا. وغير ذلك من المؤشرات، التي يمكنها أن تكون أكثر طموحاً من المؤشرات الرسمية.
ولأن الأمر يتعلق بكلمة افتتاحية لا تتطلب المزيد من التفاصيل، بشأن مؤهلات المسؤول القضائي الناجح، فإنني لن أستفيض في ذلك وأختم بالإشارة إلى فكرتين رئيسيتين أنصحكم بالتمعن فيهما جيداً.
الأولى: تقتضي منكم أن تعلموا بأن المسؤول القضائي هو صاحب قرار، وليس مجرد منفذ. ولذلك فأنتم أصحاب القرار في مؤسساتكم، ومسؤولون عن قراراتكم سواء في صحتها وشرعيتها ومطابقتها للقانون، أو في تنفيذها. بحيث لا يمكنكم بإصدار قرارات مخالفة للشرعية، ولا الأمر بقرارات لا تملكون الوسائل المادية والبشرية لتنفيذها. ولكنكم تملكون صلاحية المطالبة والتفاوض مع الجهات المعنية لتوفير تلك الوسائل والإمكانيات. علماً أنكم مسؤولون على تأطير العمل القضائي وتطويره. كما أنكم مسؤولون عن الإدارة القضائية.
والإدارة القضائية، كما تعلمون تنقسم إلى جزئين:
- مهام ذات طبيعة قضائية تتعلق بتدبير الإجراءات القضائية المرتبطة بالدعاوى والشكايات والمنازعات ) تسجيل الدعاوى وتنفيذ الإجراءات القضائية كالاستدعاءات ومقررات الخبرة والتبليغ والتنفيذ القضائي واستخلاص الرسوم القضائية وغيرها من المهام المرتبطة بالإدارة القضائية كما أشار إلى ذلك قرار المحكمة الدستورية، بتاريخ 8 فبراير 2019(، وهذه تقع تحت سلطتكم ومسؤوليتكم المباشرة؛
- ومهام إدارية ومالية، أو ما وصفه القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بالتدبير الإداري والمالي، وتعني تدبير الوضعية الإدارية للموظفين غير القضاة، وممتلكات المحاكم وتجهيزاتها ومواردها المادية ووسائل العمل المختلفة. وهذه تقع تحت مسؤولية السلطة الحكومية المكلفة بالعدل، ولكنكم تملكون الإشراف عليها ويتم تقييم إشرافكم هذا عليها من قبل الوزير المكلف بالعدل وفقاً للمادة 72 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية. وذلك لتأثيرها المباشر على المهام القضائية التي تختص بها السلطة القضائية وحدها.
الفكرة الثانية: تقتضي منكم استيعاب دقة المرحلة التي يجري فيها تنزيل مقتضيات الدستور، المتعلقة باستقلال السلطة القضائية. وبما أنكم مسؤولون مباشرون عن تسيير المحاكم أو النيابات العامة، فإنكم تعتبرون مسؤولين مباشرة عن هذا التنزيل. ولذلك يجب أن تؤمنوا بأهمية دوركم وأن تعملوا على استحقاق الثقة الملكية التي وضعت فيكم، بناء على ما تتوفرون عليه من مؤهلات علمية ومهنية، وما تتحلون به من أخلاق وما أنتم متشبعون به من قيم قضائية، وحس وطني عال.
السيدات والسادة المسؤولون القضائيون؛
أقول لكم أنكم قادرون على رفع التحدي وكسب رهان استقلال السلطة القضائية، وستتنافسون في إعطاء الدليل على استحقاق الثقة المولوية، وكسب ثقة المتقاضين والمساهمة في إرجاع الثقة لنظام العدالة.
وأختم بتهنئتكم من جديد على الثقة المولوية التي حظيتم بها بتعيينكم رؤساء المحاكم الابتدائية أو وكلاء للملك لدى تلك المحاكم في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ بلادنا القضائي.
وباسمي وباسمكم جميعاً أشكر السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والمجلس المذكور، وإدارته، ورئاسة النيابة العامة على تنظيم هذه الدورة التكوينية، وعلى العناية التي بذلت في تهييئ الظروف المناسبة لها وتحديد برامجها ومحاورها المهمة جداً.
كما أشكر السادة القضاة الذين سيتفضلون بتأطير هذه الدورة التكوينية الهامة. وهي مساهمة ترفع من قيمتهم وتثمن جهودهم المستمرة في خدمة العدالة. وأخص بالشكر والتقدير، أستاذنا وقدوتنا جميعاً السيد الرئيس الأول إدريس الضحاك. الذي يُعَبِّرُ حضوره بيننا عن نبل هذا الهرم القضائي السامق، وإخلاصه لمهنة القضاء التي خدمها طيلة حياته، وأحبها أكثر مما أحب كل المناصب العليا التي تبوأها عن جدارة وباقتدار، وهي كثيرة ومتنوعة في الدبلوماسية بصفته سفيراً سابقاً، وفي المجال الحقوقي بممارساته الحقوقية المتعددة ومنها رئاسته للمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان السابق، وفي المجال الحكومي كوزير مسؤول عن ضبط الأداء التشريعي والتنظيمي في الحكومة، وغيرها من المهام الأخرى التي ترك السيد ادريس الضحاك بصماته عليها في شكل انجازات كبيرة سيذكرها التاريخ.
شكراً جزيلاً لكم. ومتمنياتي بالتوفيق والنجاح.
السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة مَحمد عبد النباوي