أبْواب النار
أخبارنا
الإيمانُ بالجنة والنار، وما أعَدَّ الله عز وجل للأبرار، وما أعَدَّ للفجار، مِنْ أركان الإيمان العظيمة. والجنة دار الله ودار كرامته، وفي الجنة نعيم لا مثيل له، ليس له في الدنيا نظير ولا شبيه، قال الله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ}(محمد:15). وأما جهنم فهي الدّار التي أعدّها الله تعالى للكافرين خالدين فيها، يذوقون فيها صنوفاً عديدة من العذاب الشّديد الذي لا يتصوره بَشر، أمّا العصاة مِنَ المسلمين فإنّ مصيرهم إلى مشيئة الله تعالى، إنْ شاء غَفَر، وإن شاء عذَّب، وهم غير خالدين في النار، قال الله عز وجل: {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}(البقرة:24)، وقال تعالى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى}(الليل:14).
وللجنة أبواب يدخل منها المؤمنون، قال الله تعالى: {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ}(الرعد:23)، وقد بينت الأحاديث النبوية أن عدد أبواب الجنة ثمانية. وللنار كذلك أبواب يدخل منها الكافرون ويخلدون فيها، ويدخل منها العصاة من المسلمين الذين شاء الله لهم ذلك ولا يخلدون فيها. وللنار سبعة أبواب، قال الله تعالى: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ}(الحجر: 43 ـ 44) . قال ابن كثير: "أخبر أن لجهنم سبعة أبواب: {لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} أي: قد كتب لكل باب منها جزء من أتباع إبليس يدخلونه، لا محيد لهم عنه - أجارنا الله منها ـ، وكل يدخل من باب بحسب عمله، ويستقر في دركٍ بقدْر فعله.. عن حطان بن عبد الله أنه قال: سمعتُ علي بن أبي طالب وهو يخطب قال: إن أبواب جهنم هكذا - قال أبو هارون: أطباقا بعضها فوق بعض.. وعن علي رضي الله عنه قال: أبواب جهنم سبعة بعضها فوق بعض، فيمتلئ الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، حتى تُمْلَأ كلها. وقال عكرمة: {سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} سبعة أطباق. وقال ابن جريج: {سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحُطمة، ثم سعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية. وروى الضحاك عن ابن عباس نحوه. وكذا روي عن الأعمش بنحوه أيضا".
وقال السعدي: "كل باب أسفل مِنَ الآخَر، لكل بَابٍ مِّنْهُمْ من أتباع إبليس، {جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} أي بحسب أعمالهم".
وعندما يَرِدُ الكفارُ النارَ تُفْتَح أبوابها، ثم يدخلونها خالدين، قال الله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ}(الزمر:71: 72)، قال الطبري: "يقول تعالى ذكره: "فتقول خزنة جهنم للذين كفروا حينئذ: {ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ} السبعة على قدر منازلكم فيها". وقال ابن كثير: "وقوله: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} أي: بمجرد وصولهم إليها فُتِحت لهم أبوابها سريعا، لتُعَجَّل لهم العقوبة". وقال الطبري: "وقوله: {إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} السبعة". وقال البغوي: "قال أبو عبيدة والأخفش: {زُمَرًا} أي جماعات في تفرقة، واحدتها زمرة. {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} السبعة وكانت مغلقة قبل ذلك، قرأ أهل الكوفة فُتِحَت، وفُتِحَت بالتخفيف، وقرأ الآخرون بالتشديد على التكثير".
وهذه الأبواب السبعة لجهنم تُغلق على الكافرين، فلا مطمع لهم في الخروج منها بعد ذلك، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ * عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَةٌ}(البلد:19). وقال تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ}(الهمزة:9:8). قال ابن كثير: "قال ابن عباس: {مُّؤْصَدَةٌ} مغلقة الأبواب، وقال مجاهد: أصد الباب بلغة قريش، أي أغلقه". وقال الأصفهاني والبغوي: "يُقال: أوْصدْت الباب وآصدتُهُ: أي أطبقته، وأحكمته، فأبواب النار على أهلها مطبقة مغلقة". وقال السعدي: "{عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ} أي: مغلقة، {فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ} قد مُدَّت من ورائها، لئلا تنفتح أبوابها، حتى يكونوا في ضيق وهم وشدة".
وذكر العلماء وأهل التفسير أسماء أبواب النار السبعة وهي: جهنم، والحُطَمَة، وسقر، والجحيم، ولظى، والسعير، والهاوية، وكل هذه الأسماء موجودة في القرآن الكريم. قال الله تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا}(النبأ:21)، وقال تعالى: {كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ}(الهمزة: 6:4)، وقال تعالى: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ}(المدثر:28:26)، وقال تعالى: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ}(الشعراء:91:90)، وقال تعالى: {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى * نَزَّاعَةً لِلشَّوَى}(المعارج:16:15)، وقال تعالى: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ}(الشورى:7)، وقال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ}(القارعة:11:8)، قال ابن كثير: "{هَاوِيَةٌ} وهي اسم من أسماء النار. قال ابن جرير: وإنما قيل: للهاوية أمه، لأنه لا مأوى له غيرها".
وقال السيوطي في "الدر المنثور": "وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} قال: جهنم، والسعير، ولظى، والحطمة، وسقر، والجحيم، والهاوية وهي أسفلها.. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ} قال: أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحُطَمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية.. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن الأعمش رضي الله عنه قال: أسماء أبواب جهنم: الحطمة والهاوية ولظى وسقر والجحيم والسعير وجهنم والنار هي جماع".
وعن عُتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الجنَّةُ لها ثمانيةُ أبوابٍ، و النارُ لها سبعةُ أبواب) رواه أحمد وصححه الألباني. قال ابن عبد البر في "الاستذكار": "وقد قيل إن للجنة ثمانية أبواب، وأبواب جهنم سبعة - أجارنا الله منها ـ، فأما أبواب جهنم ففي كتاب الله ما يكفي في ذلك المعنى قال الله عز وجل: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ}(الحجر:44:43). وأما أبواب الجنة فموجودة في السُنة مِنْ نقل الآحاد العدول الأئمة".
وقد تُفتح أبواب الجنة وتُغلق أبواب النار قبل يوم القيامة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا دخل رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أبْوَابُ الجَنَّة، وغُلِّقَتْ أبْوَابُ جَهَنَّم، وسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ) رواه البخاري. قال ابن بطال في "شرح صحيح البخاري": "وتأول العلماء في قوله: (فتحت أبواب الجنة وسلسلت الشياطين) معنيين. أحدهما: أنهم يسلسلون على الحقيقة، فيقل أذاهم ووسوستهم ولا يكون ذلك منهم كما هو في غير رمضان، وفتح أبواب الجنة على ظاهر الحديث. والثاني: على المجاز، ويكون المعنى في فتح أبواب الجنة ما فتح الله على العباد فيه من الأعمال المستوجب بها الجنة من الصلاة والصيام وتلاوة القر آن، وأن الطريق إلى الجنة في رمضان أسهل والأعمال فيه أسرع إلى القبول، وكذلك أبواب النار تغلق بما قطع عنهم من المعاصي، وترك الأعمال المستوجب بها النار".
وقال السيوطي في "شرحه على النسائي": "ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله تعالى لعباده من الطاعات وذلك أسباب لدخول الجنة، وغلق أبواب النار عبارة عن صرف الهمم عن المعاصي الآيلة بأصحابها إلى النار".
وقال ابن حجر في "فتح الباري": "قال عياض: يحتمل أنه على ظاهره وحقيقته، وأن ذلك كله علامة للملائكة لدخول الشهر وتعظيم حرمته ولمنع الشياطين من أذى المؤمنين. ويحتمل أن يكون إشارة إلى كثرة الثواب والعفو وأن الشياطين يقل إغواؤهم فيصيرون كالمُصَفَّدين. قال: ويؤيد هذا الاحتمال الثاني قوله في رواية يونس عن ابن شهاب عند مسلم: (فتحت أبواب الرحمة)، قال: ويحتمل أن يكون فتح أبواب الجنة عبارة عما يفتحه الله لعباده مِن الطاعات وذلك أسباب لدخول الجنة، وغلق أبواب النار عبارة عن صرف الهمم عن المعاصي الآيلة بأصحابها إلى النار، وتصفيد الشياطين عبارة عن تعجيزهم عن الإغواء وتزيين الشهوات. قال الزين بن المنير: والأول أوْجَه، ولا ضرورة تدعو إلى صرف اللفظ عن ظاهره، وأما الرواية التي فيها أبواب الرحمة وأبواب السماء فمِن تصرف الرواة، والأصل أبواب الجنة بدليل ما يقابله وهو غلق أبواب النار".
وقال بدر الدين العيني في "عمدة القاري شرح صحيح البخاري": "المُرَاد من فتح أَبْوَاب الْجنَّة حَقِيقَة الْفَتْح، وَذهب بَعضهم إِلَى أَن المُرَاد بِفَتْح أَبْوَاب الْجنَّة كَثْرَة الطَّاعَات فِي شهر رمضان، فَإِنَّهَا موصلة إِلَى الْجنَّة، فكُني بها عَن ذلك".
الجنة لها ثمانية أبواب، وفيها ما لا عينٌ رأَت ولا أذُنٌ سمعَت، ولا خطَر على قَلبِ بَشَر، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يُنادِي مُنادٍ (أي: عَلى أَهْلِ الجنَّة): إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبْأسوا أبداً، فذلك قوله عز وجل: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}(الأعراف:43)) رواه مسلم. وأمّا النّار فلها سبعة أبواب، وهي مثوَى الكافرين والفجار والأشرارِ، نارٌ أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى أقلِّ أهلِها وأهونِهم عذابًا ـ والعِياذُ بالله ـ بقوله: (إنَّ أهْوَنَ أهْلِ النَّارِ عَذابًا يوم القِيامة لَرَجُلٌ تُوضَعُ في أخْمَصِ قَدَمَيْهِ (وهو ما لم يُصِبِ الأرضَ مِن باطِن القدم) جَمْرَةٌ، يَغْلِي مِنْها دِماغُه) رواه البخاري. وعن عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أعْرَضَ وأَشَاح، ثُمَّ قال: اتَّقُوا النَّارَ ثُمَّ أعْرَضَ وأَشَاح ثَلَاثًا، حتَّى ظَنَنَّا أنَّه يَنْظُرُ إليها، ثم قال: اتقوا النَّارَ ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ، فمَن لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَة) رواه البخاري.
عن اسلام.ويب