العار..
عبد الله الدامون - المساء
قبل بضعة أشهر، سمعنا بأن المصريين أنتجوا فيلما أو مسلسلا اسمه «العار»، وفيه ممثلة مغربية لم تقدم صورة جيدة عن بلدها وعن الأخلاق الحقيقية لنسائه، فغضبنا وقلنا إنه العار فعلا، ثم نسينا، في انتظار عار آخر.
لكن هناك العشرات من حالات «العار» التي تمر أمامنا يوميا ولا ننتبه إليها، وأحيانا صرنا نعتبرها جزءا من حياتنا اليومية.. إنه التطبيع الذي يقتل إحساس الناس.
اليوم، وأمس، وغدا ودائما، سيظل عار كبير يرقص أمامنا، وهذا العار اسمه «باب سبتة»، ففي هذا المكان يحدث كل يوم ما لا يستطيع الكثيرون تصديقه، لكنهم يجب أن يروه لكي يقتنعوا بأن هذه البلاد لا تزال غارقة في سلوكات القرون الوسطى.
في كل يوم، يعبر باب سبتة حوالي 30 ألف شخص، 90 في المائة منهم نسوة بائسات، والجميع يدخل هذه المدينة، التي نسميها محتلة، لكي يجلب منها سلعا كثيرة ليعيد ترويجها في الأسواق المغربية. كل شخص يدخل سبتة ملزم بدفع خمسة دراهم للواقفين على الأبواب، وهم للأسف أفراد أمن وجمارك مغاربة. وفي كثير من الأحيان، يكرر الشخص الواحد الدخول والخروج مرتين أو أكثر، وفي كل عملية يدفع.. ويدفع.. ويدفع.
هذا ليس سرا، وكبار المسؤولين في هذه البلاد يعرفون ما يجري في باب سبتة، ويعرفون أيضا كميات الأموال التي يتم جمعها بهذه الطريقة. وإذا ضربنا خمسة دراهم فقط في 30 ألف فالنتيجة واضحة، أما إذا حسبناها بالمعقول، بما في ذلك حجم الرشاوى الكبيرة، فالنتيجة ستكون عصية على الفهم.
يقال لنا إن المغرب له مسؤولوه الذين يحكمونه وعيونهم مفتوحة على كل شيء، لكن هل ضاقت أعين الحاكمين إلى هذا الحد الذي يجعلهم لا يرون ما يحدث في باب سبتة كل يوم وكل دقيقة وكل ثانية؟ سؤال محير فعلا.
الرشوة في المغرب مواطنة شرفية لا أحد يستطيع الوقوف في وجهها، لكن المشكلة هي أن لا أحد يعرف إلى أين تذهب هذه الكميات الكبيرة من الأموال، ولا أحد يفهم كيف توزع، بل لا أحد يفهم لماذا يتم استخلاصها أصلا بهذه الطريقة العلنية الفاقعة.
في عموم بلدان العالم، الحكومات هي التي تدفع تعويضات للناس العاطلين، لكن في المغرب العاطلون هم الذين يدفعون للدولة، والدليل على ذلك أن المهربين البسطاء في باب سبتة هم عاطلون عن العمل، ولا يتوفرون على أي مدخول شهري، ومحرومون من الضمان الصحي والاجتماعي، ومع ذلك فكل واحد منهم يدفع جزية يومية في مكان يعرفه الجميع، ولأشخاص يعرفهم الجميع.
لم يحدث هذا فحسب، ففي كثير من المرات تتحول النقطة الحدودية في باب سبتة إلى امتهان فظيع للكرامة الإنسانية، وتبدأ الهراوات في النزول على ظهور نساء بائسات، وهو شيء لا يحدث حتى مع قطعان الماشية. هذه المشاهد تتكرر وتتطور أحيانا إلى ما هو أفظع، وهو موت نساء بائسات اختناقا تحت الأقدام، ثم يتم نسيانهن بسرعة وكأنهن لا ينتمين إلى هذا الوطن الذي يردد مسؤولوه كل يوم مصطلحا مضحكا اسمه «الحكامة الرشيدة».
في مرات كثيرة، يتزاوج الابتزاز المغربي، عبر الرشوة الإجبارية، مع الهراوات الإسبانية، ولا أحد يصبح قادرا على فهم مصطلح «سبتة المحتلة»، ومن يحتلها فعلا، هل الإسبان أم الفساد؟
إذا كان من نفاق يجب أن يتوقف فورا فهو النفاق حول هذه المدينة، لأننا نرى في كل مرة أشخاصا يذهبون إلى هناك ويحملون أعلاما مغربية ويهتفون «سبتة مغربية»، بينما المجنون وحده هو الذي يقول العكس، لذلك فإن المهم اليوم ليس هو تنظيم مظاهرات ضد الاحتلال الإسباني، لأنه احتلال واضح، بل تنظيم مظاهرات ضد هذا الفساد العارم في نقطة العار، باب سبتة... باب المذلة.
bidawi
makal jamil jidan hadi hiya alwataniya mais almakhzane yosamonaha baltagist