فرنسا تراجع موقفها المتسامح مع السلوكات الجنسية لقادتها

فرنسا تراجع موقفها المتسامح مع السلوكات الجنسية لقادتها

 

أخبارنا المغرببة :

 

قال مدير صندوق النقد الدولي إن ثلاث عقبات في طريق حملته للفوز بالرئاسة الفرنسية وهي المال والنساء ويهوديته. وقال "نعم، أُحب النساء ثم ماذا؟" وأضاف أن الحديث يجري منذ سنوات عن صور تفضحه في حفلة جنسية ولكنها لم تُنشر قط، داعيا خصومه الى نشر التي الصور تقول شائعات تسري بشأنها منذ زمن طويل انه يظهر فيها خلال ليلة حمراء في احد الأندية الراقية.

وقال كان انه حذر الرئيس نيكولا ساركوزي من الاستمرار في تشويه سمعته بسبب حياته الخاصة. ثم تبرع ستراوس كان للصحفيين بمثال افتراضي على حادث يمكن ان يحكم عليه بالسقوط: "امرأة تتعرض للاغتصاب في موقف سيارات بعد ان تتلقى وعدا بنصف مليون يورو مقابل تلفيق قصتها".

كان ستراوس كان حريصا على تصوير نفسه ضحية حملة غاشمة حتى قبل ان يبدأ خصومه رمي ما سماه احد الاشتراكيين "قنابل كريهة الرائحة" صوبه. وكان الجميع في الاوساط السياسية ووسائل الاعلام الفرنسية يعرفون ان عقب اخيل ستراوس كان هو موقفه من النساء.

واعترف حتى أقرب حلفائه السياسيين بأنه زير نساء، وفاسق بلا حياء. ولكن ما يجعل الفضيحة الأخيرة جديدة وغير معهودة في سباق رئاسي هو تجاوز الممارسات السابقة الى العنف الجنسي ومحاولة الاغتصاب والاعتداء الوحشي.

ستراوس كان ينفي هذه التهم، وحلفاؤه يسمونه زير نساء من دون "صفات المغتصب". ولكن مراقبين يتساءلون، إذا كانت باريس كلها تعج منذ زمن بالحديث عن "علاقته المرضية" بالنساء، فلماذا لم يوقف ستراوس كان عند حده في فرنسا نفسها. وسبق لصندوق النقد الدولي ان وبخه بشأن علاقة اقامها مع مرؤوسة في عام 2008.

ويُثار في هذا الشأن سؤال مزعج في وسائل الاعلام والسياسة الفرنسية عن وجود عالمين يتعايشان بموازاة احدهما الآخر: ما يُنشر وما يكمن وراءه من اقاويل، وما يتعين ان يبقى "مسكوتا عنه" رسميا.
 
ويلاحظ المراقبون ان العلاقات الجنسية بالتراضي خارج اطار الزوجية ليست خبرا في فرنسا بل هي جزء من حق الفرد في حياة خاصة بحماية قوانين صارمة ضد التشهير ومن اجل صيانة الخصوصية. وان يكون لدى السياسي عشيقة أو يطارد النساء أو حتى يتحرش بالصحفيات احيانا فان هذا لا يعني شيئا البتة.

ويقول محرر صحفي بحسرة ان هذه الظاهرة تصل الى قمة الطبقة السياسية. وتنقل صحيفة الغارديان عن المحرر قوله "ان فرنسا ما زالت ملكية بطريقة ما حافظت على اخلاق الارستوقراطية من القرن الثامن عشر". فالسيد الاقطاعي له حق الليلة الأولى مع عروس القن والملك له عشيقاته. وإذا ظهر مزيد من الدعاوى ضد ستراوس كان مؤدية الى تهم جنائية فان هذا سيضع موضع تساؤل تابو في فرنسا يحرِّم الكشف والمكاشفة.

ويقول محامي الروائية والصحفية تريستان بانون انها تعتزم الذهاب الى الشرطة لاتهام ستراوس كان بالاعتداء عليها جنسيا في عام 2002. وقالت والدتها آن مانسوري وهي شخصية بارزة في الحزب الاشتراكي، انها نصحت ابنتها بألا تقدم دعوى في حينه لأن ستراوس كان كان سياسيا ينتظره مستقبل مشرق وصديق العائلة ايضا. ولكنها اضافت ان حقيقة بوح ابنتها بما حدث علنا على شاشة التلفزيون تركها جريحة نفسيا بسبب المضايقات التي تعرضت لها لاحقا في حياتها المهنية لأنها تجرأت وكشفت.

ولمحت الأم الى ان هناك "حاجزا غير مرئي" وُضع امام مشاريع ابنتها في العمل وكأن اقطاب الاعلام والناشرين يخشون عواقب "ما يمكن ان تميط اللثام عنه". ونفى الناطق باسم ستراوس كان دعوى بانون وقال انها لفقت التهمة بهدف الدعاية لنفسها.

وكان الصحفيان كريستوف ديلوار وكريستوف دوبوا كسرا التابو في كتاب نشراه عام 2006 عن سلوك السياسيين الجنسي. وتناولا نزعة ستراوس كان في ممارسة "الإغواء الى حد الهوس" مشيرين الى صحفيات انزعجن من تحرشاته دون ان يذكرا اسماءهن. كما تحدثا عن موظفة كبيرة في الحكومة رفضت دعوته "للمجيء الى مكتبه كي تستريح".

اللافت ان صحفيا واحدا اثار نزعات ستراوس كان الجنسية حين غادر لتولي ادارة صندوق النقد الدولي في واشنطن عام 2007 يوم تساءل كثير من السياسيين في مجالسهم الخاصة كيف سيتعامل ستراوس كان في مجتمع اميركي متزمت ينظر الى التحرش الجنسي باستنكار.

وكتب الصحافي جان كواتريمير في مدونته ان مشكلة ستراوس كان الوحيدة هي علاقته بالنساء. فهي علاقة ثقيلة.... تقرب من التحرش". وطلب منه طاقم ستراوس كان ان يغلق المدونة. ولكن الصحفي رفض وتحداهم ان يقاضوه بتهمة التشهير فصرفوا النظر عن الموضوع.

في عام 2008 بدأت الصحافة الفرنسية تعالج قضية ستراوس كان والنساء بانفتاح أكثر بعد التحقيق الذي اجراه صندوق النقد الدولي في علاقته بموظفة تعمل في مقر الصندوق هي الاقتصادية المجرية بيوشكا ناغي. وبُرئ ستراوس كان من تهمة استغلال المنصب لكنه أُجبر على الاعتذار.

وقالت ناغي ان لدى ستراوس كان "مشكلة" تؤثر في قدرته على العمل مع النساء. بعدها نطق آخرون في فرنسا وقالت النائبة الاشتراكية اوريلي فيليبيتي ان ستراوس كان تحرش بها وانها بعد ذلك حرصت على ألا تبقى معه بمفردها في مكان مغلق.

وذهب الكاتب الهجاء ستيفان غيلون ابعد من ذلك ساخرا من هوس ستراوس كان بالنساء في مقابلة اذاعية. واتهمه ستراوس كان بـ"الفظاعة" على الهواء وُطرد غيلون الذي كان اصلا في موقف صعب بعد هجائه عدة شخصيات سياسية فرنسية.

في عام 2006 فشل ستراوس كان في محاولته الفوز بترشيح الحزب الاشتراكي للانتخابات الرئاسية، وكان من اسباب فشله غطرسته وتعاليه على منافسته التي فازت بالترشيح سيغولين رويال. ولكن بعد خمس سنوات ارتفعت شعبية ستراوس كان ورُشح للفوز بالرئاسة الفرنسية.

وكان واضحا ان وقائع مثل علاقته بالموظفة ناغي لم يكن لها تأثير في رأي الناخب الفرنسي. ولكن العنف الجنسي مسألة اخرى تماما. وفي بلد مثل فرنسا لا يكترث بالعادات الجنسية للقائد كانت تهمة محاولة الاغتصاب صدمة شديدة.

 

إيلاف


هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات
المقالات الأكثر مشاهدة