المنطقة العازلة ضربة قوية لنظام الأسد وفرصة لتركيا لإجهاض حلم الأكراد

المنطقة العازلة ضربة قوية لنظام الأسد وفرصة لتركيا لإجهاض حلم الأكراد

رشيد أخريبيش

 

من المعلوم جدا أن حلم رجب طيب أردوغان بإقامة المنطقة العازلة داخل الحدود السورية المحاذية للحدود التركية قد تحقق بالفعل بعد أن رضخ الغرب لشروط تركيا بعد تردد كبير ،وهذا يعني الكثير بالنسبة للدولة التركية التي يؤرقها الأكراد ، فإقامة المنطقة العازلة لا شك أنه سيمكن تركيا من القضاء على حلم الأكراد الذين يطمحون في الاستقلال ، وسيمكنها أيضا من منع حزب العمال الكردستاني من اللعب على ورقة الشريط الحدودي الذي طالما نفذ من خلاله العشرات من العمليات ضد الأراضي التركية .

أردوغان ستمكنه المنطقة العازلة من القضاء على حلم الأكراد أولا، وثانيا ستمكنه من القضاء على نظام بشار الأسد الذي يضعه أردوغان ضمن الأولويات التي يجب  على المجتمع الدولي استحضارها في حربه ضد ما يسميه الإرهاب ،فالرجل لا يخفي رفضه الدخول في حرب ضد تنظيم الدولة دون التخلص من نظام بشار الأسد ، فتركيا لا تفرق بين  تنظيم الدولة الإسلامية وبين النظام السوري فالطرفان سواء بالنسبة لها ، فإذا كان تنظيم الدولة في كل من العراق وسورية قد ألغى الحدود واعتدى على سيادة الدول، وخلق الرعب بعمليات القتل التي يرتكبها ،فإن نظام الأسد قد قتل مليون إنسان وشرد الملايين ، بل ومازال يرتكب أبشع الجرائم ضد الشعب الذي انتفض من أجل الحصول على الحرية والكرامة، لذلك فإسقاط النظام هي المرحلة الأولى بالنسبة لتركيا، أما الدخول في حرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية فيبقى المرحلة الثانية بعد سقوط هذا النظام، لذلك كانت تركيا دوما تلح على إقامة منطقة عازلة وحظر  جوي في شمال سورية وغربها على غرار ما وقع في العراق وليبيا وهو ما سيجعل من النظام السوري آنذاك اللقمة السائغة في يد كل من لديه مصلحة في إسقاط النظام، وأول هؤلاء تركيا التي لا تخفي ذلك ومعها بعض الدول  العربية وخاصة الخليجية منها ، التي ترى في بقاء النظام انتصارا لإيران التي تحاول السيطرة على دول الخليج بشكل عام .

إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تسعى جاهدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية وتعتبره الخطر الذي يهدد العالم بأسره، وتتغاضى في المقابل الطرف عن النظام السوري الذي يرتكب أبشع الجرائم في حق الشعب السوري فإن تركيا على العكس من ذلك لها رأي أخر، فالبرغم من أنها تؤكد على خطر تنظيم الدولة الإسلامية الذي أصبح يتمدد بصورة مخيفة ، إلا أنها لا تضعه ضمن الأولويات فالعدو اللدود هو نظام بشار الأسد الذي منح السيطرة للأكراد على كوباني والذي يحرض هؤلاء على الاستقلال كل ذلك من أجل التصدي للثوار ووقف زحف الجيش الحر الذي مازال يقاتل ضد النظام إلى حدود الآن .

كلام أردوغان حول عجز الضربات الجوية عن تحقيق الأهداف والقضاء على تنظيم الدولة كلام يشاطره فيه كل قادة التحالف الذين شاركوا في تلك العمليات بدون استثناء ، فالولايات المتحدة الأمريكية التي تقود هذا التحالف غير مقتنعة تماما بهذه الضربات ، بل وتعلم علم اليقين أن تنظيم الدولة لن يتم القضاء عليه جوا ، بل القضاء عليه سيتم برا بدخول قوات التحالف على الأرض وهذا حتما سيجد معارضة من العديد من الدول التي لا تريد  الدخول برا خوفا من أن تتكبد خسائر كبيرة في صفوف جنودها ، خاصة وأن الكل يعرف كيف استطاع تنظيم الدولة هزم الجيش العراقي في ساعات معدودة واستطاع أن يسيطر على مناطق بالعراق وسورية في أيام معدودة .

بالرغم من أن المنطقة العازلة ستقام دون إذن من الدولة السورية،  وهذا فيه خرق للقانون الدولي الذي يقضي بأن المنطقة العازلة تتم بناء على اتفاق بين دولتين وليس بقرار منفرد ، لأن القرار المنفرد يعتبر بمثابة الاعتداء على سيادة الدولة الأخرى، إلا أن المستفيد الأكبر في ذلك كله هو تركيا ، لأن المنطقة العازلة تشكل ضربة قوية للنظام السوري ،وذلك فيما يتعلق بسيادته على جزء من أراضيه ومن الممكن جدا أن تتطور الأمور ليفتح المجال إلى مناطق أخرى في الجنوب ، ومن يدري ربما يصل ذلك إلى الحدود الغربية مع الدولة  اللبنانية ، فالمنطقة العازلة ستحرم سلاح الجو السوري من التحرك، وكذلك هو الشأن بالنسبة للقوات البرية التي سيصبح من المستحيل التحرك على الأرض ما يعني خسارة كبرى لنظام بشار الأسد وانتصارا للجيش الحر وللمعارضة التي تتمنى أن تمن عليها الدول بشيء من هذا القبيل في معركتهم ضد نظام الأسد.

لا شك أن المنطقة العازلة ستضعف من شوكة النظام السوري ، بل وستعطي التفوق لقوات المعارضة التي تريد الحسم، والتي طالما طالبت المجتمع الدول بإقامة حظر جوي ، ولا نستبعد أن يتم إسقاط النظام بعد ذلك ، فمن منا لا يتذكر نظام صدام حسين عندما قرر الغرب التدخل لاحتلال العراق،  حيث كانت البداية مع الحظر الجوي في المناطق الكردية وفي المناطق الشيعية، مما عجل بسقوط نظام صدام حسين، لذلك لا نستبعد أن يحدث نفس السيناريو مع نظام بشار الأسد. .

تركيا منذ البداية كانت تعلن عن مواقفها بشكل صريح مما يجري في الأراضي السورية والعراقية ،وكانت دائما تؤكد على أن الأولوية بالنسبة لها ليس هو تنظيم الدولة الإسلامية ، وإنما نظام الأسد الذي يتغاضى الطرف عن الأكراد الذين أقاموا حكما ذاتيا داخل الأراضي السورية مع الحدود التركية مقابل قتالهم إلى جانبه ضد الجيش الحر ، لذلك رفعت تركيا ورقة إقامة المنطقة العازلة في وجه الغرب الذي تردد كثيرا قبل أن يستجيب لهذا المطلب  كل ذلك من أجل القضاء على حلم الأكراد في بناء دولتهم .

 

تركيا تعرف جيدا أن الوضع في كل من سورية والعراق هو الذي سيمكنها من التخلص من شبح الأكراد ، لذلك تجدها تتحفظ عن الدخول في القتال ضد تنظيم الدولة ، بل وتضع شروطا لذلك بما يتماشى مع مصالحها لتكون بذلك المستفيد الوحيد من الوضع كله ، ولا نبالغ إن قلنا بأنها ستكون أول المنتصرين في تلك الحرب الدائرة على حدودها .

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

المقالات الأكثر مشاهدة