عثمان الفاطمي
لاريب أن ماقام به المغرب بأمر ملكي سامي من صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره ﷲ صباح يوم الجمعة 13 نونبر 2020، بالتدخل العسكري السلمي في معبر الكركارات ،وفتحه من جديد بعد أكثر من أسبوعين من اغلاقه من طرف جبهة البوليساريو الانفصالية أمر غاية في الحكمة والتبصر السياسي، يأتي بعد التزام المغرب بأكبر قدر من ضبط النفس واشهاد قوات حفظ السلم الدولي (المينورسو) على حجم الخروقات التي قامت بها الجبهة الانفصالية في المعبر منذ 21 أكتوبر 2020 ،وعدم مبالاتها بالاتفاقيات العسكرية المبرمة وزعزعتها للاستقرار والأمن في نقطة حساسة تربط المملكة بجارتها الموريتانية الشقيقة ،فتطهير معبر الكركارات من المرتزقة تم بطريقة سلسة وموافقة للقوانين الدولية والمواثيق الأممية ،واتخذ دلالات وأبعاد هامة ،وحقق أهداف ومكاسب جلية، ليكون بذلك المغرب قد أحسن تدبير الأزمة، وجعل من استفزازات العدو مكاسب، فانقلب بذلك السحر على الساحر، فعوض أن تلفت استفزازات البوليساريو المنتظم الدولي ،وتؤثر على قرار مجلس الأمن الدولي الأخير ،لم ينسق المغرب مع تلك الاستفزازات، ولم يكن له رد فعل عنيف، كان يتمناه البوليساريو قصد التباكي على المنتظم الدولي في فترة زمنية حرجة ستتوج بقرار جديد لمجلس الأمن الدولي ،لقد اتخذ التدخل المغربي في معبره الحدودي الكركارات بالمنطقة العازلة قندهار أبعادا، وحقق أهدافا غاية في الأهمية، ويمكن تلخيصها فيمايلي :
أولا :
التدخل كان حضاريا وانسانيا، عكس الوجه الحضاري لبلادنا في العالم، وتوجهها المتشبث بٱحترام القوانين والمواثيق الدولية المتعارف عليها.
ثانيا :
التدخل المغربي في المعبر كان تدخلا سلميا لم يخرق المغرب من خلاله اتفاق وقف اطلاق النار لسنة 1991م، كما تزعم بذلك الجبهة الانفصالية.
ثالثا :
التدخل كان حاسما، ومضبوطا مكن في ظرف وجيز من إعادة حركة المرور التجارية والمدنية إلى طبيعتها الاعتيادية والآمنة.
رابعا :
التدخل كانت له انعكاسات اقتصادية ايجابية على المنطقة ككل، فقد أوقف الضرر الاقتصادي الذي لحق المغرب والجارة الموريتانية الشقيقة، التي عرفت أسواقها ارتفاعا كبيرا لأسعار الفواكه والخضر، بل وحتى الجزائر نفسها التي كانت مضطرة لإرسال شحنات من المنتوجات الفلاحية للجارة الموريتانية ،قصد تعويضها عن الضرر الاقتصادي الذي لحقها نتيجة اغلاق المعبر، إلى جانب باقي دول غرب افريقيا ،التي تستقبل بدورها المنتوجات الفلاحية المغربية عبر المعبر ذاته.
خامسا :
تطهير المعبر زاد من الالتفاف الدولي والعربي حول مشروعية القرارات المغربية في المنطقة، فقد عبرت عدة دول عربية وافريقية عن دعمها للقرار المغربي ، مما كرس عزلة الجبهة وأطروحتها، وعزز الدعم الأممي للمغرب.
سادسا :
التدخل مكن المغرب من حماية الأمن الاقليمي في المنطقة ككل ،من خلال القرار المغربي الحكيم المتمثل في بناء جدار أمني رملي في المنطقة العازلة ،يربط مابين معبر الكركارات المغربي ومعبر النقطة 55 الموريتاني، مما يجعل عملية تسلل عناصر الجبهة الانفصالية إلى معبر الكركارات ومنه لمياه الأطلسي مستقبلا عملية مستحيلة ،لتنتهي معه الاستفزازات المتكررة للجبهة التي ألفناها عند اقتراب صدور كل قرار جديد لمجلس الأمن الدولي عند نهاية شهر أكتوبر من كل سنة.
سابعا :
التدخل المغربي أحبط خطط البوليساريو لتغيير الواقع على الأرض في المنطقة العازلة، وعزل المغرب عن عمقه الافريقي، وأحبط معه مخططات الجزائر وأحلامها في الوصول للأطلسي ،لما له من أهمية استراتيجية اقتصاديا وعسكريا بالنسبة لها.
ثامنا :
التدخل المغربي السلمي الذي حقق كل هذه الأهداف، دفع البوليساريو حسب زعمها لتعلن الحرب من جانب أحادي، بذلك تكون قد تورطت في خرق اتفاق وقف اطلاق النار لسنة 1991م، وظهرت بمظهر "الخارق للقانون والمعربد في المنطقة" ،فتلقت بذلك صفعة لم تستحضرها ضمن حساباتها تجلت في الفتور الجزائري اتجاهها ،لاسيما بعدما خرجت الجزائر رسميا عبر بيان وزارة خارجيتها لتدعو البوليساريو لضبط النفس في المنطقة، لتتوالى بعد ذلك مواقف الفتور اتجاهها ،ومن أهمها الموقف الجنوب افريقي الذي دعاها إلى التعقل وضبط النفس، ليكون بذلك أهم حلفائها قد واجهوها بالفتور.
إن فتح معبر الكركارات زاد من ثقة المنتظم الدولي في القرارات المغربية التي اتسمت بالمصداقية والواقعية والتعقل الذي يعكسه استنزاف المغرب لمختلف الجهود والآليات السلمية المتعارف عليها، وأدخل البوليساريو في أزمة داخلية غير مسبوقة، وذلك على ضوء اخفاقها وفشلها في الكركارت من جهة، وعدم قدرتها على اطلاق حرب حقيقية ومؤثرة في المنطقة من جهة أخرى، نتيجة تقادم عتادها العسكري العتيق الذي يرجع إلى المرحلة السوفياتية، والذي لايشكل أدنى خطورة على الجدار الأمني المغربي، وجنودنا البواسل المرابطين وراءه، والذين يتوفرون على جاهزية كبيرة ،وأسلحة وعتاد جد متطور، جعل من مليشيات البوليساريو صيدا متاحا وسهلا، وجعلها تنفس عن حسرتها وفشلها الدبلوماسي تارة، والعسكري تارة أخرى بحرب كلامية وإعلامية مدعومة جزائريا ضد بلادنا، وبترويج انتصارات عسكرية وهمية، ليبقى المغرب شامخا في صحراءه والصحراء في مغربها الحبيب إلى أن يرث ﷲ الأرض ومن عليها.