بوصلة الصراع بين العلمانية والفساد
خالد العمراني
الكثيرون بمغربنا يمجدون أردوغان وتركيا حتى صارت تركيا بالنسبة لهم نموذجا للدولة الإسلامية التي يرسمونها في مخيلتهم, وصار أردوغان نموذجا للسلطان محمد الفاتح فاتح القسطنطينية التي تسمى الآن إستمبول.
تركيا يا إخوان دولة علمانية وهذا أمر لا يفهمه الكثيرون, فتركيا من ألفها ليائها علمانية ,وحتى رجب طيب أردوغان علماني.
ومن أجل الفهم سأشرح لكم: العلمانية علمانيات ونماذج, فعلمانية بريطانيا ليست علمانية فرنسا, وهناك فارق بينهما. لقد قد طبق أتاتورك عندما أنهى الخلافة العثمانية النموذج المتشدد من العلمانية, فسارت تركيا على هذا لمدة طويلة حتى جاء حكم حزب الرفاه الإسلامي بقيادة نجم الدين أربكان, الذي نجح في انتخابات تشريعية تحت برنامج عودة تركيا لعمقها الإسلامي ومحاولة أسلمة تركيا تدريجيا, لكنه أطيح به من الحكم عن طريق عتاة العلمانيين.
فهم أردوغان ورفاقه الرسالة جيدا, فقاموا بمراجعات فكرية وانشقوا عن حزب الرفاه ليأسسوا حزب العدالة والتنمية معلنين أنه حزب علماني لكنه يتيح الحرية للجميع, ولا يقمع الممارسات الدينية أو التعبير عنها بأي شكل; بمعنى تبني النموذج البريطاني في العلمانية. وبحكم نظافة أيدي اردوغان ومن معه تمكن من ضرب بؤر الفساد, وراوغ المؤسسات العلمانية خاصة المؤسسة العسكرية عن طريق لعبه على وتر الانضمام إلى الإتحاد الأوروبي الذي هو هدف كل الأتراك , انضمام يتطلب خضوع الجيش والأمن لمؤسسة الرئاسة تماما كالأنظمة الديموقراطية في أوروبا, وبهذا استطاع تحييد الجيش والقضاء التركي في الصراع السياسي.
على الصعيد السياسي والاقتصادي أراد أردوغان بناء تكتل اقتصادي شرق أوسطي كبير تكون استمبول عاصمته, لذلك حاول الاعتماد على
-1سياسة وزير خارجيته صاحب نظرية صفر مشاكل مع الجيران ; بما فيهم الأرمن المطالبين باعتذار الأتراك عن انتهاكات 1915بحقهم عقب الحرب العالمية الأولى.
-2الاستثمار في الحركات الإسلامية التي تتعاطف وتحن لعصر الإمبراطورية التركية وحكم الخلافة وقوة العمثانيين الذين دخلوا أوروبا وتحكموا في البحر الأبيض المتوسط حتى وصلوا فاس, ثم انسحبوا منها تحت هجمات القبائل المغربية, ليظلوا شرق واد ملوية بشرق المغرب.
لكن الطموح التركي اصطدم بطموح الإيرانيين في بناء تكتل مماثل تكون طهران عاصمته, ومن أجله استثمرت إيران في القضية الفلسطينية وفي عمقها الشيعي بالعالم العربي, كما استفادت من غباء العرب عندما دعموا سقوط صدام حسين لحسابات شخصية, بأن شخصنوا السياسة, علما أن السياسة مصالح ورؤى مستقبلية وليس لعب عيال.
كما اصطدم الطموح التركي بمنظومة الاستبداد بالعالم العربي التي تشبثت بحبل الحياة, وقامت بثورة مضادة فأطاحت بثورة جنينية في مصر, ثورة لم يحسن جيل الشيوخ في جماعة الإخوان المسلمين إدارتها, ولو أنهم أنصتوا لراشد الغنوشي ولأردوغان نفسه لما آلت الثورة المصرية لما هي عليه الآن.
وقد أخطأ الثور حينما سمحوا للمؤسسة العسكرية بالانفراد لوحدها بإدارة البلاد وأخطئوا عندما سمحوا باستمرار الرموز الإعلامية والقضائية لعهد مبارك في إدارة الإعلام وتسيير الإشراف على الانتخابات القادمة والمرجوة, انتخابات ما كان لهم أن ينظموها حتى يتفق الجميع حول شكل الدولة القادمة.
أعود لأردوغان لأقول: قد يكون أردوغان ورفاقه ملتزمون دينيا وهذا باد عليهم, وقد يكون لهم طموح على المدى الطويل لتغيير تركيا نحو نموذج أخلاقي غير التي هي عليه الآن, وقد يكونوا حالمين لتغيير سياساتهم الخارجية بحيث تناقض تماما المصالح الغربية بالشرق الأوسط, لكنهم لن يستطيعوا فعل ذلك في ظل المعطيات الحالية بمختلف نتاقضاتها وتجاذباتها,وذلك لهذه الأسباب :
اقتصاديا تصدر تركيا بضائع وخدمات بالملايير لأوروبا وأمريكا, وتستقبل اسثمارات غربية ضخمة, ولن تستطيع على الإطلاق الدخول في صراع ضد الغرب.
عسكريا وأمنيا تركيا عضو كامل العضوية في حلف شمال الأطلسي; عضوية يستفيد منها الطرفان خاصة مع تغير المشهد الكردي في العراق وسوريا مما يعطى دفعة معنوية للمطلب التاريخي لأكراد تركيا في الاستقلال مطلب لا يلقى آذانا صاغية لحد الآن من طرف الغرب على اعتبار تصنيفهم لحزب العمال الكردستاني كمنظمة إرهابية ثم بسبب تأجج الوضع بالحدود الجنوبية لتركيا والتهديدات المحتملة وعدم قدرة تركيا المواجهة لوحدها مع قوى شيعية وداعشية عنيفة تكن الكره لتركيا ,وستحاول نقل المعركة للداخل التركي حسب أسباب كل منهما على حدة .
إن تركيا الحديثة علمانية القالب, ومن أراد أن يتأكد من حجم تغلغل العلمانية بالمجتمع التركي فليزر إستمبول أو إزمير أو أنقرة, وسيرى وكأنه ببرشلونة وليس بحلب أو تونس أو الرباط. ثم إن بث مشاهد مماثلة لما بثته قناة 2M من حفلات موازين الرباط بما فيها مؤخرة جنيفير, أمر لا يناقش ويعتبر أمرا عاديا في تركيا. أخيرا أقول إن بعض علمانيينا لا يفهمونها أو يتعمدون, ويعتبرون العلمانية ممارسة حياتيه كما فهمها أتاتورك لكنها ليست كذلك, فهي تستوجب احترام الخصوصيات مع عدم فرضها على عامة الجمهور. وأعرف بعض أصدقائي العلمانيين يدافعون بقوة عن الثقافة الغربية , وحين أسألهم هل تعرفون جاك بريل أو سيلين ديون مثلا, يجيبون: لا نعرف. و عند طرح نفس السؤال على أصدقاء لي لهم ميولات إسلامية, يجيبون على أنهم يعرفونهم, وفعلا يعرفون عنهم الكثير.
هنا تجد مفارقة مرتبطة بأمور نفسية وأشياء أخرى تحتاج لتحليل , فحيثما وجدت مفسدا إلا وزعم أنه علماني, حداثي, متحرر, ولأجل هذا تحزب ,إنما العلمانية والحداثة هي منه براء, وما تحزبه إلا لغاية في نفس يعقوب.
لهذا فالصراع الحقيقي الذي يجب أن يكون ليس علماني- إسلامي كما يزعمون, أو على الشكل العام للدولة المغربية, شكل ليس من غير اختصاصهم وغير مطالبين بصياغته على الأقل في الوقت الراهن , إنما الصراع الذي نريده من مع الفساد ضد من ضد الفساد, وهو صراع القواعد والميدان, صراع لو اتحدوا لأمكن تفعيل آليات المراقبة وآليات الضغط.
حينئذ ينكشف أخطبوط الفساد, فالمفسد قد يكون متعلمنا أو متأسلما وقد يكون يصلي أو لا يصلي لكنه في الإدارة والتدبير عنصر خطير