الفرق بين اليوسفي المناضل الهادئ وبنكيران صاحب المعاش السمين
مصطفى طه
من خالط المرحوم الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، لابد بأن يلمس بأن أمامه رجل دولة حقيقي استثنائي، ومع مناضل وسياسي جميل الخلق بكل المقاييس، وبجانب رجل إنساني مخلص ووفي، بمعنى الكلمة.
المثير للنظر، عند الوقوف عند الشق الشخصي للمرحوم اليوسفي، كمسؤول وكزعيم سياسي، وكشخصية وطنية، هو أننا أمام رجل دولة قل نظيره في حقلنا السياسي المغربي، هذا الرجل جمعت فيه صفات استثنائية تكشف لنا، أننا أمام مسؤول من طراز عال، وزعيم مميز، وشخصية رفيعة، ومناضل سياسي مجرب، خصاله الحكمة والتبصر، كتوم ومعتدل، لكن صلب في مواقفه، متزن لكنه محنك في تحاليله، فالاعتدال والاتزان بالنسبة إليه، مكونات لمنظومة واحدة، هدفها الرئيسي الوصول إلى الهدف الأهم، أي إلى ما هو استراتيجي وجوهري، ابتداء من اخضاع وقائع الأمور إلى التقييم المنطقي لموازين القوى، سواء مع القصر أو مع الشركاء السياسيين، سواء أكانوا أصدقاء أم حلفاء أم خصوم.
هذه الخصال النبيلة، جعلت من المرحوم الأستاذ اليوسفي، رجل التوافقات بامتياز، الرامية بتقديمه منهجية الحوار الهادئ والمسؤول، المبني على تعاقد أخلاقي وسياسي مع مخاطبيه، أساسيته بناء الثقة معهم، والإيمان بسمو قضايا الوطن ومصالحه العليا، كما حدث هذا مع جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني، ومع وارث عرشه جلالة الملك محمد السادس، وكذا مع حلفاءه في الكتلة الوطنية الديمقراطية، مساهما بهذه الاستراتيجية في عملية التناوب الحكومي، وفي الانتقال المؤسساتي التاريخي السلس بين ملكين، وفي موافقته على استمرار حزبه تحمل المسؤولية في حكومة ادريس جطو، ولعل هذه القرارات نابعة من حرصه على الاحتكام إلى منطق القانون والمؤسسات، ومن إيمانه الراسخ، وضع أولويات الوطن على حساب منفعة حزبه، رغم تعلقه به وحبه الشديد له، وتمسكه بفلسفته الاشتراكية، ورغم اعتزاله عالم السياسة، حافظ على هدوءه المعهود، وظل يراقب الوضع من بعيد، ويدون ملاحظاته في سكون، ولم يتدخل أبدا في مهام السياسيين، الذين جاءوا من بعده لا على المستوى الحكومي أو الحزبي، حيث عاش كبيرا ومات كبيرا.
كان في استطاعته رحمه الله، أن ينهج خطة الازعاج ضد خصومه السياسيين، وأن يتدخل في كل كبيرة وصغيرة في الحقل السياسي المغربي، بحكم علاقاته الكثيرة والمتعددة على الصعيدين الوطني والدولي وكلامه مسموع، غير أنه فضل أن يكون حكيما كما عودنا، ليؤكد بالفعل أنه رجل دولة استثنائي، يستحق كل الاحترام والتقدير والثناء، ومثال حي يقتدى به، على المستوى الإنساني والسياسي، حيث عاش قنوعا ومات نظيف اليد، ولم يطلب معاشا مقابل نضاله ومهامه الوطنية، التي أداها على الوجه الأكمل، ولم يقم بمزايدات مجانية ضيقة، من أجل إبتزاز حزبه، لقد ذهب إلى حال سبيله في صمت، وهو مرفوع الرأس، عكس عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، ورئيس الحكومة الأسبق.
هذا الأخير، الذي اعتبره نقيض الراحل الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي، الزعيم الوطني ورجل دولة حقيقي، بكل ما تحمله الكلمة من معان ودلالات، فإن بنكيران هو الوحيد الذي استفاد من امتيازات ريعية، إضافة إلى تقاعده المريح و السمين وصل إلى نحو 70.000 درهم شهريا، لم يدفع منه سنتيما واحدا، طيلة خمس سنوات قضها مسؤولا على رأس الحكومة، نجد سيارة الدولة بسائقها الخاص، ورجال أمن عموميين، يحرسون مقر اقامته بحي الليمون بالعاصمة الرباط، بالإضافة إلى حراس خاصين يرافقونه في حياته اليومية، رغم عدم تحمله أي مسؤولية رسمية، من خلال هذه المعطيات، نلمس على أرض الواقع، تناقضات بنكيران، الذي ظل يردد بالمجالس الحكومية، وقبة البرلمان، والتجمعات الخطابية، بأنه ضد استمرار تقاعد الوزراء، حيث طالب بتخفيض قيمة التقاعد إلى أقل من تقاعد البرلمانيين، التي تتراوح بين 7 آلاف درهم و 20 ألفا، حسب عدد الولايات التشريعية، مع تقليص شروط الاستفادة منه، والبحث عن شغل، بعد انتهاء الولاية الحكومية، أو الاستفادة من المعاش الوظيفي للمسؤول الحكومي، قبل تحمل المسؤولية الحكومية، غير أنه أخل بوعده، الذي قطعه على نفسه.
رئيس الحكومة الأسبق المذكور، لا يجد حرج، أن يعترف بأنه فعلا استفاد من معاش بالملايين شهريا، من أموال دافعي الضرائب المقهورين، والذين زادتهم حكومة حزبه قهرا على قهر، منذ توليها زمام أمور الرأي العام الوطني، حيث ادعى بنكيران أنه يعاني ماديا، وأن وضعيته الاجتماعية تأزمت كثيرا، منذ عزله من مهام رئاسة الحكومة، لكي يحصل على هذا التقاعد الاستثنائي، رغم أنه
يملك مؤسسة خاصة للتعليم الخصوصي، والتي تدر عليه أرباحا بالملايين شهريا، لم يجد أدنى حرج في تبرير استفادته من معاش سخي، يمثل تجسيد لأبرز مظاهر الريع، الذي لم يتعب يوما من الترديد وتكرار على مسامع المغاربة، إبان حملات حزبه "المصباح" في الاستحقاقات التشريعية والمحلية، أنه جاء هو وحزبه لمحاربته والقضاء عليه، من خلال هذه الأفعال المتناقضة لبنكيران، استوقفني كلام الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي رحمة الله عليه قائلا "لم أتلق من هدايا من الدولة المغربية، سوى هديتين من جلالة الملك المرحوم الحسن الثاني وجلالة الملك محمد السادس، هما عبارة عن ساعتين يدويتين، مثلما أنني كنت أرفض دوما الحصول على أي تعويضات غير مبررة قانونيا أثناء ممارسة مهامي الحكومية، واتخذت قرارا إداريا لم ألزم به باقي الوزراء هو أنني كنت دوما أحيل تعويضات مهامي بالخارج على صندوق التضامن القروي".