التعليم مرة أخرى: ما الذي تغير؟
سعيد صابر
مع بداية كل موسم دراسي جديد تتكرر نفس الأسطوانة مرة أخرى :" قطاع غير منتج, قطاع يستهلك ميزانية الدولة. قطاع لا تنجح معه الإصلاحات. ...." صور و انطباعات بل حتى تصريحات تخرج من أفواه مسؤولين تؤكد بالملموس -بعيدا عن الخطابات التي تدغدغ المشاعر- الصورة االحقيقية التي تتراقص في مخيالنا الجمعي حول هذا القطاع بكل مكوناته.و التي ترى فيه قطاعا فاشلا لا تنجح معه الإصلاحات المتتالية وهذا على لسان المنتسبين إليه. ولو بدأنا النقاش الآن فسنجتر تجارب و إصلاحات بعضها تمت قطيعته ابستمولوجيا ،و سيمر قطار الفشل في أغلبها. و لكل هذا الفشل و هذه العثرات المتتالية، ترانا لا نزال نبحث عن الوصفة السحرية للنهوض بهذا القطاع و بتعبير أخر أكثر ليونة، فنحن إذا لم نكن سقطنا في حفرة الفشل ، فإننا على الأقل لم نبرح المكان الذي كنا فيه.
من المسؤول عن هذه الحالة التي يتخبط فيها قطاع التعليم رغم أنه القضية الثانية في المغرب بعد الوحدة الترابية؟
لن ندخل في متاهات البحث عن كبش فداء لتقديمه قربانا ، فالتقارير القادمة من المنظمات العالمية خارجيا و التقارير المنجزة من الوزارات المتعاقبة على التعليم داخليا قامت بالمهمة و حددت بما لايدع مجالا للشك مكامن الخلل و اقترحت بعض الحلول التي رأت فيها مخرجا للورطة التي نتخبط فيها لكن في الغالب لم يتم استثمار هذه الحلول بالشكل المطلوب ، لأن لا أحد يريد تحمل المسؤولية الحقيقية ، كل فئة من فئات المنظومة التربوية ترمي بكرة الفشل إلى الأخرى بدل تقاسم المسؤولية و البحث معا عن الحل بعيدا عن من سيكون له الفضل في النجاح لأن التعليم قضية مجتمع و دولة و إذا نجح فالكل سيربح.
و من يقول أن التعليم مكلف فلابد أنه اكتوى بتجربته للجهل .
لذا فاختصار فشل التعليم في فئة معينة و تحميلها ما لاطاقة لها به ـ و تقديمها قربانا و شماعة للفشل لا يجب أن يكون حقيقة لأنها فقط الحلقة الأضعف في المنظومة و التي تتحمل اكبر ضغط ، لأن التعليم ليس قضية الأساتذة وحدهم .بل هو قضية و طن.
ليس هذا المقال الأول الدي تحدثت فيه عن التعليم و لن يكون الأخير فمادام هناك إنسان في هذا العالم فالتعليم سيكون حاضرا باستمرار لأن في المدرسة تمرر قيم المجتمع و غاياته و أي دولة ملزمة بإصلاحه و إلا ....
سنحاول في هذا المقال التركيز على النواقص التي تعتري كل مكون من مكونات التعليم ، و نوضح بعض النقط التي يتم إغفالها أو التغطية عليها كي لا تتم محاسبة هذه المكونات ، رغم أن الفشل جزء من خطة العمل ، لكن الإنخراط الجاد و المواطنة الصادقة و الإيمان بالإصلاح كخيار ضروري هو الأمر المهم في كل هذا و ليس التصنع و التشدق بالإصلاح و عمل العكس.
لذا سننطلق من الأعلى إلى الأسفل و ليس العكس ، فحجم المجاسبة يجب أن يكون بقدر المسؤولية الملقاة على العاتق و أيضا الأجر المستحق على العمل.
أولا، و نسطر عليها كبيرا، " الدولة" في شخص الحكومة هي التي يجب أن تعطي إشارات إيجابية أنها تريد الإصلاح، ليس الأمر هو كثرة المذكرات أو جلب نماذج تربوية ناجحة من بلدان تسبقنا في ميدان التربية و التعليم بسنوات ضوئية ، و لكن من خلال توفير البنية التحتية المناسبة للقيام بالعملية التربوية في حكامة حقيقية تشخص الإختلالات و تعاقب المتورطين، و تلزم الجميع بالإنخراط في الإصلاح.
لإصلاح التعليم يجب على جميع الوزارات أن تكون تحت سلطة وزارة التربية الوطنية بما فيها الداخلية. لا يجب التذرع بكثرة الموظفين و قلة الموارد للتملص من الواجبات ، كل درهم ستصرفه على التعليم اليوم سيرد إليك بعد سنوات بالملايين، شعب واع مواطن يبذل الغالي و النفيس من أجل وطنه الذي علمه و رباه و لن تجد من يريد المغامرة بحياته في قوارب الموت بحثا عن غد أفضل ، لأن الدولة وفرت له تعليما يساعده على التغلب على مصاعب الحياة.
سنوات و نحن نجتر نفس المشاكل ، و نستمع لنفس الأسطوانة المشروخة حول الإصلاح المزعوم، لكن كل سنة تشنفنا التقارير بكلمات من قبيل : ارتفاع الهدر المدرسي، مقاربة النوع غير ناجعة، نقص الأطر و الإكتظاظ ، ضعف المستوى التحصيلي للتلاميذ في المواد الأساس...... و ذلك " الباكاج" المعروف لدى الجميع، لكن السؤال الأهم الذي لا يريد الجميع طرحه رغم بساطته ، لأن الأسئلة البسيطة و المباشرة هي الأكثر إحراجا و أكثر صعوبة:
ماذا فعلت الدولة لإصلاح التعليم؟
النتائج المحصل عليها و المرتبة التي نتبوؤها في سلم التنمية في القطاعات الاجتماعية التي تدخل في خانة الإهتمامات الأولية لأي حكومة تعطيك الجواب الشافي.
لن أتكلم عن الترسانة القانونية التي تؤطر عمل موظفي التعليم في بلادنا و لعل آخرها القانون الإطار 17/51 و الذي يحمل رافعات و مشاريع لو تحققت لارتقينا إلى مصاف الدول العظمى، بيد أن السؤال المطروح دائما هو :" التمويل", من أين سنمول هذه الإصلاحات ؟ هنا مربط الفرس. في دولة سائرة في طريق النمو ، فالأصل أن تكون الدولة هي صاحبة التمويل من خلال وزاراتها في الحكومة و نقصد هنا : وزارة المالية، التجهيز، الصحة، الداخلية.
الكل يجب أن يكون تحت تصرف المدرسة ، يجب أن تكون هما مجتمعيا و ليس شأنا داخليا للعاملين فيها ، و ذلك من خلال طابع الإلزام . و ليس عكس ما تسعى إليه الحكومة الآن من خلال جعل المتدخلين مشاركين في الإصلاح و لكن هذه المشاركة تبقى تطوعية ليس إلا، و ليست ملزمة لها، لذا من السهل أن تتملص منها.
بناء المدارس و تمويلها و تجهيزها يجب أن يكون مسؤولية الدولة فقط ، و لا بد من إعادة النظر في القطاع الخاص، فالأطفال ليسوا سلعة ، الكل يجب أن يكون لهم نفس الحقوق و نفس ظروف الدراسة من أجل تحقيق الإنصاف و الجودة، و المحافظة على المدرسة مسؤولية الجميع و كل من تورط في تخريبها ، تسلط عليه العقوبات القصوى.
الضرب من حديد على كل من سولت له نفسه الإشارة بسوء للمدرسة أو للعاملين بها ، و في نفس الوقت يجب رد الإعتبار للأساتذة من خلال الإحتفاء بهم ، و من خلال تكوينهم التكوين الملائم لقدراتهم تكوينا حقيقيا و ليس صوريا مع الإنطلاق من الثقافة المحلية الوطنية التي يؤطرها مثقفو الوطن تحت ظل مقاربة محلية صلبة تنهل من المشترك الذي يجمعنا من أجل خلق جيل متشبع و متشبت بقيمه الدينية و الوطنية و بعدها ينفتح على الآخر,
الأمر صعب في ظل الثورة التكنولوجية التي نعيشها ، لكن لا شيء مستحيل إذا توفرت الإرادة و الرغبة في الإصلاح الحقيقي فعلا.
وللحديث بقية.