الحماية الاجتماعية للمرأة العاملة في القانون المغربي
ياسر الطريبق
يقال إن المرأة تشكل نصف المجتمع، لكنها في الحقيقة تشكّل أكثر من نصفه لأنها تعتبر هي الحاضنة والمربّية الأولى لأفراد المجتمع ومنبعهم الأخلاقي والوجداني، وهذا الكلام ليس فيه مجاملة للأمهات الساهرات على تربية أبنائهن والزوجات المحافظات على بيوتهن والبنات الراعيات لآبائهن وأمهاتهن وكل النساء المثابرات في هذا العالم وإنما هي شهادة حق فيهن جميعا وفي تجلياتهن المختلطة بالعطف والجمال والصبر والإبداع والتضحية والإيثار، لذلك فإن موضوع المرأة وحقوق المرأة واحتياجات المرأة سيظل دائما موضوعا راهنا لا مناسباتيا ما دامت مجتمعاتنا مقصّرة في حقها، وهذا نابع في الأصل من كون المجتمع الإنساني كله وليس مجتمعنا المغربي أو مجتمعاتنا العربية فقط هو مجتمع ذي نزعة ذكورية حيث تجد الرجل يعمل أقل ويستفيد أكثر بينما تجد المرأة تعمل أكثر وتضحي أكثر ثم تستفيد أقل، وهنا يمكنكم العودة إلى التاريخ ليظهر لنا جليا أن تحسّن ظروف المرأة ولو نسبيا في العالم الغربي والأوروبي لم يتم إلا حديثا، إذ أن تاريخ منحها حق التصويت في الانتخابات في أغلب تلك الدول لم يتم إلا مع منتصف القرن العشرين (إسبانيا في سنة 1933، فرنسا في 1946، سويسرا الفدرالية في 1971) اللهم إلا إذا ما استثنينا دولتي الولايات المتحدة التي أقرته في سنة 1912 وانجلترا في سنة 1919. كما أن الرجل _وهذه الظاهرة ربما مستفحلة في مجتمعاتنا العربية أكثر اليوم_ يتمتع أكثر من المرأة عموما بالحياة خارج المنزل بعيدا عن شؤون التربية وتنظيف المنزل وترتيبه، حيث تجد المقاهي والنوادي والملاعب والكورنيشات ملآنة بالرجال في أغلبيتهم العظمى بينما النساء في أغلبهن حبيسات المنازل والمطابخ. هذا الأمر يجعلنا دائما ننظر إلى المرأة على كونها تضحي أكثر من الرجل وبالتالي فإنها تحتاج فوق عبارات الشكر والتكريم إلى دعم ملموس وتعزيز للحقوق المادية والاجتماعية في كل المجالات.
في هذا الصدد سوف نركز في هذا المقال المتواضع على بسط وتوضيح بعض من أهم الحقوق الاجتماعية التي تستفيد منها المرأة العاملة أو التي من المفروض أن تستفيد منها المرأة العاملة في بلانا المغربية استنادا على القانون المغربي من جهة وكذا على التشريع الدولي من جهة أخرى، لذلك ارتأيت تقسيم هذا المقال إلى قسمين: قسم أول يتطرق إلى المرجعيات القانونية لهذا الموضوع ألا وهي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أولا و ميثاق الأمم المتحدة لمنع التمييز ضد المرأة ثانيا والتشريع الدولي لمجال العمل ثالثا ثم التشريع الوطني في مجال الشغل رابعا وقسم ثان سوف أتحدث فيه عن بعض الملاحظات حول تطور حقوق المرأة في واقعنا المعاش.
1- المرجعيات المؤطرة لحقوق المرأة في القانون
للحديث عن الإطار القانوني للمرأة العاملة لابد من الرجوع إلى المرجعيات الأساسية التي تؤطرها والتي سأتناولها واحدة واحدة بدءا من:
المرجعية الأولى: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
تناول الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر خلال سنة 1948 أي بعيد الحرب العالمية الثانية بثلاث سنوات إلى مجموعة من المقتضيات التي يمكن اعتبارها حاسمة في حماية المرأة والدفاع عن حقها في الحياة بكرامة وبدون تمييز سلبي، نذكر منها مثلا:
في تصديرها: لما كان الإقرار بما لجميع أعضاء الأسرة البشرية من كرامة أصيلة فيهم، ومن حقوق متساوية وثابتة، يشكل أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، ........ ولما كانت شعوب الأمم المتحدة قد أعادت في الميثاق تأكيد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية، وبكرامة الإنسان وقدره، وبتساوي الرجال والنساء في الحقوق، وحزمت أمرها على النهوض بالتقدم الاجتماعي وبتحسين مستويات الحياة في جو من الحرية.... فإن الجمعية العامة تنشر على الملأ هذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بوصفه المثل الأعلى المشترك الذي ينبغي أن تبلغه كافة الشعوب وكافة الأمم....
في المادة 1: ...يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق. وهم قد وهبوا العقل والوجدان وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضا بروح الإخاء...
في المادة 2: لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر.
في المادة 25: ...لكل شخص حق في مستوى معيشة يكفى لضمان الصحة والرفاهة له ولأسرته..... للأمومة والطفولة حق في رعاية ومساعدة خاصتين. ولجميع الأطفال حق التمتع بذات الحماية الاجتماعية سواء ولدوا في إطار الزواج أو خارج هذا الإطار.
المرجعية الثانية: ميثاق الأمم المتحدة لمنع التمييز ضد المرأة
نصّ ميثاق الأمم المتحدة لمنع التمييز ضد المرأة الصادر خلال سنة 1979 بوضوح على حق المرأة في المشاركة في العمل السياسي بشقيه، أي الحق الانتخاب والحق في تولي الوظائف السياسية والإدارية، كما نصّ على حقها في الملكية وما يتبعه من اعتراف بأهليتها لإبرام العقود وتحمّل الحقوق والواجبات وحقها في العمل والتعليم الذي يؤهلها لأدائه ناهيك عن ضرورة توفر العدالة بين الرجال والنساء في القوانين المنظمة للأسرة بحيث يصبح الزوجان متساويين في الحقوق والواجبات في كل ما يخص شؤون الأسرة بما في ذلك رعاية الأطفال وإدارة الشؤون المنزلية.
المرجعية الثالثة: التشريع الدولي لمجال العمل
تعتبر مواثيق واتفاقيات منظمة العمل الدولية التي تتشكل من ثلاثة أطراف (الحكومات والمنظمات العمالية ومنظمات أرباب العمل) مرجعا أساسيا في تأطير القوانين المتعلقة بحقوق العمال عموما وحقوق المرأة العاملة على وجه الخصوص وقد أصدرت المنظمة في هذا الصدد مجموعة من الاتفاقيات الدولية بعضها صادق عليها المغرب في حين مازالت هناك اتفاقيتان قيد الدراسة والتمحيص ألا وهما: الاتفاقية رقم 102 بشأن الحماية الاجتماعية الصادرة خلال سنة 1952 والتي تنص على الحدود الدنيا الواجبة للإعانات الاجتماعية والاتفاقية رقم 190 بشأن العنف والتحرش ضد المرأة العاملة بالنظر لكونها لم تصدر إلا مؤخرا (سنة 2019)، أما بخصوص الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالحماية الاجتماعية والفيزيولوجية للمرأة العاملة والتي صادق عليها المغرب فهي متعددة، نذكر من أهمها مثلا: الاتفاقية رقم 100 الصادرة سنة 1954 والتي تنص على ضرورة اعتماد مبدأ المساواة في الأجر بين الرجل والمرأة عندما تتساوى قيمة العمل (صادق عليها المغرب سنة 1979) والاتفاقيتين رقم 4 الصادرة سنة 1919 ورقم 41 الصادرة سنة 1934 بشأن العمل الليلي للمرأة واللتان صادق عليهما المغرب خلال سنة 1956 وكذا الاتفاقية رقم 45 لسنة 1935 التي تنصّ صراحة في مادتها الثانية على حظر تشغيل المرأة تحت سطح الأرض وهي الاتفاقية التي صادق عليها المغرب سنة 1956.
المرجعية الرابعة: التشريع الوطني في مجال الشغل (مدونة الشغل-القانون 12-18 المتعلق بعمال المنازل-قانون الضمان الاجتماعي- قانون حوادث الشغل)
فيما يتعلق بالحماية القانونية للمرأة المغربية العاملة يجذر التذكير أن القانون المغربي وخصوصا مدونة الشغل ونظام الضمان الاجتماعي يعتمد نوعين من الحماية، حماية اجتماعية واقتصادية من جهة وحماية فيزيولوجية تراعي مقاربة النوع من جهة أخرى
القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل
تتضمن مدونة الشغل المغربية التي صدرت خلال سنة 2003 وتم العمل بها بداية من سنة 2004 مجموعة من المقتضيات الحمائية لصالح المرأة العاملة من خلال اعتماد مقاربة النوع بالأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الفيزيولوجية والاجتماعية التي تتميز بها المرأة عامة والمرأة المغربية على وجه الخصوص. في هذا الصدد وضع المشرع الوطني من خلال بنود مدونة الشغل مجموعة من المحدّدات التي تجسّد تلك المقاربة الحمائية مع التشدد في منع كل أشكال التمييز ضد المرأة باعتباره واحدا من الحقوق الأساسية المعترف بها دوليا حيث خصصت المدونة لهذا الغرض قسما خاصا بحماية المرأة والأحداث هو القسم الثاني من الكتاب الثاني من المدونة إضافة بعض البنود الأخرى الموزعة هنا وهناك داخل المدونة. نذكر من بين تلك البنود مثلا ما جاء في المادة 9 مثلا من تنصيص صريح على "منع جميع أنواع التمييز بين الأُجَرَاء، بما فيها التمييز بين الجنسين" كما تنص المادة 40 على حماية المرأة العاملة من التحرش الجنسي والتحريض على الفساد الذي قد تتعرض له من طرف المشغل أو رئيس المقاولة أو المؤسسة حيث تعتبر مغادرتها للشغل إسوة بالرجل الذي قد يتعرض لهما بمثابة فصل تعسفي من العمل.
أما بخصوص باقي المقتضيات الحمائية فالجذير بالذكر أن المرأة العاملة تستفيد فترة توقف عن العمل مدتها 14 أسبوعا عند الولادة، كما نصت على ذلك المادة 154 كما يمكنها الاستفادة من عطلة غير مدفوعة الأجر لمدة 12 شهرا لتربية مولودها باتفاق مع المشغل، كما نصت على ذلك المادة 156 ويعطى لها الحق في الاستفادة من ساعة في اليوم مدفوعة الأجر لمدة 12 شهرا لإرضاع مولودها، كما نصت على ذلك المادة 161. من جهة أخرى يمنع تشغيل النساء والأحداث ليلا إلا في الاستثناءات التي تُحدَّدُ بنص تنظيمي بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا مع مراعاة عدة شروط تضمنتها مواد الباب الرابع من القسم الثاني من الكتاب الثاني التي تبتدئ من المواد 172 إلى المادة 178، وهي الشروط التي تحدد كما يلي :
- توفير وسائل النقل من محل إقامتهن إلى مقرات الشغل ذهابا وإيابا، في حالة عدم توفر النقل العمومي؛
- تمتيعهن براحة لا تقل مدتها عن نصف ساعة بعد كل أربع ساعات من العمل المتواصل
- توفير وسائل الراحة.
هذه الحماية تم تكريسها من خلال أحكام مدونة الشغل كذلك، والتي جاء في مادتها 179 أنه ” يمنع تشغيل النساء في المقالع وفي الأشغال الجوفية التي تؤدى في أغوار المناجم ” كما تقضي أحكام المادة 181 على ” أنه يمنع تشغيل النساء في الأشغال التي تشكل مخاطر بالغة عليهم، أو تفوق طاقتهم أو التي قد يترتب عنها ما قد يخل بالآداب العامة”.
القانون رقم 18.12 المتعلق بحوادث الشغل والقانون رقم 19.19 المتعلق بالعمل المنزلي
بالنسبة لقانون حوادث الشغل وكذلك بالنسبة لقانون عمال المنازل ليس هناك تميز بين الرجال والنساء في الاستفادة من مقتضياته، فالسن القانوني للعمل المنزلي هو بالنسبة للجنسين إلا أنه يتجه إلى معالجة ظاهرة تشغيل الفتيات القاصرات في المنازل خصوصا وهو نقاش حقوقي واسع المجال، كما أن التأمين عن حوادث الشغل هو مطبق بالنسبة للجنسين كذلك بدون اختلاف وفي حالة عدم تأمين الأجراء عن حوادث الشغل والأمراض المهنية لدى إحدى شركت التأمين فإن القانون يعطي ضمانات حمائية للأجراء بحيث تصبح كل مصاريف الاستفادة من خدمات التأمين على عاتق المشغل أو رب الذي لم يلتزم بمقتضيات التأمين بما في ذلك الإيرادات العمرية في حالة العجز الدائم أو الوفاة لا قدّر الله.
الظهير الملكي لسنة 1972 المتعلق بالضمان الاجتماعي
في هذا القانون هناك مقتضيات عامة وهناك مقتضيات خاصة بالنساء كمنحة الولادة والاستفادة من راحة ما بعد الوضع كما أن المرأة يمكنها الاستفادة من التعويضات العائلية في حالة عدم اشتغال الزوج أو في حالة الطلاق....
2- ملاحظات من الواقع المعاش
لا شك أن الترسانة القانونية الوطنية والدولية قد لعبت دورا أساسيا في الرقي بوضعية المرأة العاملة وتمكينها من الحماية الاجتماعية والفيزيولوجية اللائقة بها كما أن الدولة المغربية ممثلة في حكومتها ومؤسساتها قد قامت بالعديد من المبادرات لتعزيز مكانة المرأة في المجتمع وفي سوق الشغل على وجه الخصوص من خلال تقوية الشراكة مع جمعيات المجتمع المدني التي تلقت جملة من المنح والإعانات لتحقيق هذا الهدف من طرف الحكومة ومن طرف المنظمات الغير حكومية على المستوى الدولة وكذا من خلال تحفيز المقاولات التي تحترم المقتضيات القانونية الخاصة بالنساء العاملات في ما يتعلق بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الجنسين داخل المقاولة في مجال التشغيل وظروف العمل والتكوين المستمر، بالإضافة إلى إشراكها للمرأة في الهيئات التمثيلية بالمقاولة (تنظيم جائزة المساواة المهنية لفائدة المقاولات من طرف الوزارة المكلفة بالشغل) دون أن ننسى بطبيعة الحال الأثر الإيجابي الذي بدأت تيتكه وسيتركه مشروع تعميم الحماية الاجتماعية للمغاربة لصالح الأسرة المغربية عامة وهو المشروع الذي أطلقه الملك محمد السادس الموقّر الذي دائما ما أكد دعمه للمرأة وسعيه للرقي بها سواء في خطاباته السامية و كذلك من خلال الأوراش والمشاريع التي أطلقها منذ توليه عرش أسلافه المنعمين.
إلا أنه وعلى الرغم من طل تلك المجهودات الحميدة ما زالت المرأة المغربية وخصوصا المرأة العاملة تعاني من بعض مظاهر المعاناة الاجتماعية خاصة في ما يمكن أن نسميها ب"مناطق الظل" المتمركزة في العالم القروي وكذا في القطاع الغير مهيكل (بعض الاستغلاليات الفلاحية نموذجا) ويرجع ذلك في أغلب الحالات إلى أسباب اجتماعية واقتصادية وحتى ثقافية من قبيل الخصاص في الدخل والحاجة إليه في ظل قلة فرص الشغل ناهيك عن الأمية القانونية والخضوع لبعض التقاليد المحافظة الغير السوية وغير ذلك من الأسباب الذاتية والموضوعية، لذلك يبقى من واجب الدولة والمجتمع المدني إذخار مجهود أكبر من المبادرات التحسيسية المنجزة حاليا في ما هو ملموس على مستوى التعليم والتكون ومحاربة الأمية القانونية إضافة إلى تعزيز الدور الرقابي لجهاز تفتيش الشغل المكلف بمراقبة الوحدات الإنتاجية بمختلف أشكالها ناهيك عن إدماج الوحدات الغير المهيكلة في الاقتصاد المنظّم وما إلى ذلك من الإصلاحات الهيكلية.