غزة حرب ضد القيم

غزة حرب ضد القيم

عبد الواحد بلقصري

يقول الفيلسوف جان جاك روسو في كتابه العقد الاجتماعي في حديثه عن الحرب "إن الحرب بين الدول لا بين الشعوب ،فالعداء للجنود لا للإنسان ،وأنه بمجرد أن يلقي الجندي سلاحه ويستسلم يعود بشر لا يحق لأي كائن الاعتداء على حياته" .

وقد أجمع العديد من الفلاسفة كسقراط وتوماس الاكويني والكثير غيرهم على ضرورة وجود أخلاق فاضلة في الحروب يلزم إتباعها لذاتها مؤكدين على أن الخلق الفاضل يمثل صالح الإنسان وضروري لازدهارنا كبشر يعيش في مجتمع واحد .

ونفس الامر يجمع عليه فقهاء القانون الدولي الإنساني الذين يؤكدون أن مصدر هذا القانون هو أخلاقيات الحروب المنصوص عليها في الحضارات القديمة والشرائع الدينية المختلفة .

لكن ما نشاهده اليوم في حرب الاحتلال الاسرائيلي على غزة يضرب كل النظريات التي جاء بها الفكر الإنساني وكل التراكمات الحقوقية الإيجابية للمجتمع الدولي التي كرست العديد من المواثيق والعهود الدولية لحقوق الإنسان وجعلت المنظمات والشعوب تناضل من أجل احترامها ،حيث أن هاته الحرب التي تعتبر حرب ضد قيم التعايش والمقاومة المدنية التي تريد ترسيخ الهوية الوجودية للإنسان الفلسطيني الذي عانى من ويلات المجازر والتعذيب والاستعباد والتقتيل والاستيطان .

إن هاته الحرب تبين للعالم أن قيم الغرب بزعامة أمريكا هي قيم مبنية على منطق القوة والمصلحة والكيل بمكيالين وقانون الغاب الذي ينبني على الهيمنة العسكرية والاقتصادية في تدبير النزاعات الإقليمية ،كل هاته القيم اللاإنسانية لا يمكن إلا أن تولد مقاومات مدنية وكراهية لزعماء الغرب وجماعاته الصهيونية الضاغطة ،التي أصبحت تتباهى بهيمنتها وجبروتها أمام الرأي العام العالمي ،هذا الأخير الذي عبر بلغة إنسانية صريحة أن اللوبي الصهيوني بمخططاته التوسعية يشكل خطرا على الإنسانية جمعاء .

إن مسألة الحفاظ على أمن إسرائيل شكلت أولوية بالنسبة للغرب حيث تعتبر العديد من الدول أن دعمها لإسرائيل هو دعم للقيم الغربية المبنية في علنها على الديمقراطية وحقوق الإنسان وفي الخفاء على ضرب الهوية الجماعية للإنسان الفلسطيني والعربي ،ان هاته الحرب الاخيرة هي حرب ضد القيم وتعكس كما اكد المفكرالكبير المهدي المنجرة في كتابه «قيمة القيم»: أن الدفاع عن النفس بالنسبة للغرب سيكون بافتعال الحروب، واختلاق الأزمات، وبث الخوف، ولن يتحقق له ذلك إلا بعد شحن مجتمعاته بأنه في حالة حرب، وأن ثقافته وقيمه في خطر من الآخر، ومن ثم فإن الحرب المقبلة في التحليل الأخير هي «حرب ثقافات وحضارات بين الشمال والجنوب، وهي حرب بين فكرة التسلط والاستبداد الحضاري، وبين فكرة الاختلاف والتعدد».

 

 

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات