المشهد الحزبي بالمغرب
عبد الله الحمزاوي
تعتبر الأحزاب الى جانب بقية الكائنات السياسية من مظاهر الديمقراطية الغربية. وقد نشأت لغاية تقديم إجابات تخص النهضة بالمجتمع وفق تصورات وأشكال مختلفة يصعب ضبطها وتحديدها. وفي البلاد النامية برزت أشكال أخرى من الكائنات السياسية مثل الزاوية التي لعبت دورا تاريخيا مهما في الحياة السياسية المغربية إذ اعتبرت بحسب الباحث المغربي "نور الدين الزاهي" هي النواة الأولى لتشكل الأحزاب. بالإضافة الى هذا التفسير تذهب قراءات أخرى الى ربط نشوء العمل الحزبي بالعمل الوطني ضد الاستعمار الفرنسي والاسباني. وقد تجلى تحديدا في تشكل كتلة العمل الوطني خلال سنة1930م.هذه الأخيرة ستتطور لتعطي إجابات مختلفة حول الوضع المغربي مما أفرز كيانات عديدة أبرزها التنظيمات التي قادها كل من الزعيم الاستقلالي علال الفاسي والمقاوم محمد بن الحسن الوزاني وغيرهم خلال المرحلة التي تلت بناء كتلة العمل الوطني إلا أن التمظهر الحقيقي للحزب في شكله المعاصر لم يكن إلا في سنة1943مع أحد اليهود المغاربة الذي أسس حزبا ذو مرجعية شيوعية سيأخذ الطابع الوطني في ما بعد مع علي يعتة وعزيز بلال تحت مسمى التحرر والاشتراكية والتقدم والاشتراكية الى يومنا هذا. وفي الإطار نفسه سيتأسس حزب الاستقلال سنة1944م وحزب الشورى والاستقلال سنة1946م. ونتيجة للرؤى المختلفة وعوامل أخرى ترتبط بالأطروحة الانقسامية كما ذهب الى ذلك الأمريكي "جون واتربوري" سينشطر المشهد الحزبي ليفرز كيانات أخرى جديدة كان أبرزها الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بقيادة الأستاذ عبد الله إبراهيم سنة1959موأحزاب إدارية أخرى. ولم يقف الحد عند هذا بل وصل الحال بالمغرب أن أصبحت السنوات المتوالية تقدم أحزابا جديدة بمعدل حزبين لكل سنة من سنوات مابعد ذهاب فرنسا المحتلة الى أن أقبل المشهد السياسي بالمغرب على ما يقارب الأربعين حزبا وكأن بلادنا تحتاج الى أربعين تصور في التنمية وسبل التقدم.
لقد أصبح المشهد الحزبي بالمغرب يعبر عن تخلف الحياة السياسية وعاد يعكس صورة نمطية جعلت الحياة السياسية هي الوحيدة التي لا يقبل بها الإنسان المغربي. فتحولت الأحزاب الى كائنات موسمية في العمل التأطيري للفوز بالمصالح الشخصية والعائلية والحصول على المال العام بطريقة مفضوحة. ولم يعد العمل الحزبي هو ذاك السلوك السياسي الذي يسهم في بناء وتنمية الوطن وتشييد العمران الديمقراطي. فالأحزاب في بلادنا هي أشياء لا يوجد ما يميزها عن بعضها ولا تملك فكرة في صناعة ما راهن عليه شعب علمته كيف يفقد الثقة في السياسي بتصرفاتها اللامسؤولة والمحطة بالأخلاق والعمل السياسي الشريف. لكن الإشكال الذي يبقى مطروح هو: ما الذي يجب فعله لكي تكون الأحزاب المغربية شيئا غير الذي هي عليه ألان؟
إن وجود ما يقرب من أربعين حزبا ببلادنا يجعل هذه الكائنات حالة مرضية في الحياة السياسية. فكيف يعقل أن يوجد هذا العدد في بلد الأربعين مليون نسمة. بينما يقتصر المشهد الحزبي في دول كبيرة على أحزاب قليلة فمثلا الولايات المتحدة الأمريكية التي يفوق عدد سكانها 200 مليون نسمة يختزل المشهد الحزبي في قوتين هما الديمقراطيين والجمهوريين. وفي بريطانيا تكاد الحياة السياسية تنقسم بين العمال والمحافظين. وحتى ان وجدت أحزاب أخرى فإنها جاءت لتدارك قضايا لم تجعلها الأحزاب الكبرى في أجندتها.أما بلادنا فالبرغم من وجود عدد كبير من الأحزاب فان رؤى التنمية تظل مفقودة وحتى ان اجتمع أكثر من أربعة أحزاب على تدبير الشأن العام فان المنظر لا يعدو أن يكون مسرحية هزلية. والأغرب من هذا منطق التحالفات القائمة بين القوى السياسية تحت ذريعة خدمة الوطن والتعاون والتوافق. ولا ندري هل استطاعت هذه الرؤى المختلفة إيجاد حل لمشاكل البلد المتنامية من تدني الظروف الصحية وقضايا السكن والتشغيل و غيرها من التحديات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية وغيرها. فالحزب بالمنطق المغربي لم يعد ذلك الكائن السياسي القادر على تقديم اجتهادات جديدة لتطوير الفعل السياسي وخلق ذلك التنافس الشريف الذي يولد الأفكار والبرامج القادرة على المساهمة في تطوير البلد وتنميته،وإنما تحول الى كائن مجهول الهوية وليس له مرجعية غايته انتهازية تظهر لحظة الانتخابات وتختفي بمجرد الإعلان عن نتائجها.