يونس بقيان *
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد:
تعتبر ظاهرة الاحتجاج بحرق النفس من أبرز الظواهر التي شهدتها عدة عواصم عربية منذ بداية الربيع العربي محاكاة للشاب التونسي محمد البوعزيزي ، ولا يمكن أن نقول بأنها وسيلة استثنائية من وسائل الجهاد ضد الحاكم الظالم ؛ حيث أن هناك العديد من السبل أقل ضررا من حرق النفس ، التي بها يستطيع الإنسان أن يعبر عن رأيه بما يوافق الشرع ، وإن صحة المقاصد يلزم فيها صحة الوسائل ، إذ الغاية لا تبرر الوسيلة ، فحق حفظ النفس مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية التي التي لا يجوز لأحد أن يعتدي عليها بغير حق ، واعتبر الفقه الإسلامي الاعتداء على النفس كبيرة من الكبائر التي يمارسها الإنسان ضد نفسه ، فقال تعالى : ﴿ ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة ﴾( البقرة :195) وقال : ﴿ولا تقتلوا أنفسكم ﴾ (النساء:29)
وفي الحديث أن النبي صى الله عليه وسلم قال: مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهْوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَحَسَّى سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسَمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ .. الحديث .رواه البخاري
فالكيان الإنساني محل حماية ، تحميه الشريعة الإسلامية في حياته وحتى بعد مماته ، ونفس الإنسان ليست ملكا له يتصرف فيها كيف يشاء ، ولا يباح بحال من الأحوال لأحد أن يقتل نفسه ليستريح من الظلم والطغيان والقهر ، فالإنسان بنيان الله ملعون من هدمه ، والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف ، حيث أن الصحة هي ركن أساسي في حياة الإنسان حتى تتحقق خلافته في الأرض ، إذ لا معنى للكفاية من غير صحة ، ولا معنى للصحة من غير هداية ، وهذا من فلسفة الابتلاء والقدرة على الصبر والتحمل ، فمهما اشتدت المصائب على الإنسان فإنه يصبر ويحتسب ولا ينقطع رجاؤه من الفرج الإلهي .
فالنفس أمانة من الله إليك أيها الإنسان ، فكن حريصا على حفظ الأمانة ولا تضيعها ؛ لأنك ستسأل عنها ، إذ الاعتداء عليها محرم شرعا . وأنا من خلال هذه المقالة لا أستطيع أن أحكم على الشباب الذين أحرقوا أنفسهم ، أكثر مما أريد أن أوضح حكم الشرع في المسألة بغض النظر عن إسقاط الأحكام على الأعيان ؛ حيث أن الحكم بعد الابتلاء بالفعل ، غير الحكم قبل الابتلاء به عند أهل العلم . وفي السياق نفسه لا يمكن ان نغفل الحديث عن المسئولين الذين فرطوا في حقوق شعوبهم ، فالشريعة الإسلامية جاءت بكل ما ينظم العلاقة بين الراعي ورعيته ، على كل المستويات ، وبما يكفل لهم حقوقهم ، من حياة كريمة ، وصحة ، وتعليم ، وغيرها من الأمور التي تكفل للإنسان حقه في الحياة ، وبتحقيق هذه الأمور، يكون قد قام بواجب تجاه رعيته ، ويكسب حبهم وطاعتهم ، وفي مثل هذه العلاقة يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ . رواه مسلم
فالحاكم إذا كان صالحا غرس الله له القبول في الأرض فأحبه الناس ، والناس لا يحبون إلا الأخيار .
وكان وعد الله لكل مسئول أن يشق على شعبه ، أن يشق الله عليه ، فكان من دعائه صلى الله عليه وسلم : اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ . رواه مسلم . فالمسئول الذي يحتكر كل شيء لنفسه ويذيق شعبه طعم الذل والهوان ، عليه أن يعرف بأن المصير المحتوم له من الكأس نفسه الذي جرع منه شعبه .
وفي الختام أريد أن أوجه رسائل قصيرة الى إخواني الشباب الذين ما زالوا يفكرون في إحراق أنفسهم
1_ لا مبرر لجريمة الانتحار مهما كانت الأوضاع متردية ، إن الانتحار حالة شديدة من ضعف الإيمان لقوله تعالى: ﴿ ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ﴾( الحجر:56)
2_ النضال هو أن توجد قوة على الساحة تعلي كلمة الحق ومستعد للتضحية حتى ولو كان الثمن سجنا ، أو بطشا ، أو قهرا كما نشاهد ، وليس الحل هو حرق النفس .
3_ لا تعيشوا في وهم كبير، لقد خرج كثير من الشباب فأحرقوا أنفسهم أملا أن يحدث التغيير ، ولن يحدث أي تغيير حتى ولو حرق الشعب كله نفسه ، فالصمود ثم الصمود الى أن تستردوا الحقوق كاملة أو تقتلون دونها شهداء بإذن الله .
4_ مهما كانت ظروف الحياة ، فهي لا تستحق أن تزهق روحك من أجلها ، اللهم إذا أزهقت على يد الظالم فأنت شهيد في سبيل الله .والله الموفق للصواب
*طالب مغربي ماجستر في جامعة القاهرة ، وعضو في الرابطة العالمية لخريجي الأزهر.