عبد الرحمن قريشي
كثير من العلمانيين الحاقدين في ديارنا ما يزالون ـ ولن يزالوا ـ يعيشون بعقلية الضرائراللواتي يرين في الخضوع لفحول لأجانب والافتراش أمامهم انتصارا وإغاظة لكل ضرة تزاحمهن على الركب الغليظة!
فكم من علمانيةتتعاورها أيدي الفجرة الغربيين،وتطؤهاأرجلهم حتى امتشوها وامتصوا حيويتها، ثم تعود إلينا باحثة في الأديان لتكتشف أن الإرهاب الذي يعصف بدول وأمم سببه التربية الإسلامية!!
وكم من علماني فاجر يطارد البغايا ويطارده الشواذ في أزقة باريس ولندن وواشنطن ردحا من الزمن، ثم يعود إلينا محللا وباحثا في شؤون الحركات الإسلامية ليتحفنا بطرف من التحليلات تدينه وتدمغه بالعمالة الرخيصة!!
يا قوم! إنالمغرب عاش قرونا مديدة، تدرس في مدارسه ومساجده المواد الدينية على اختلاف أشكالها بعمق، تولاها المختصون الأكفاء، وتدرس أيضا بسطحية تقلدها الموظفون والمرتزقة، ولم تنتج إرهابا دوليا ولا محليا.
وخطب الجمعة يلقيها في قراه وبواديه وحواضره مختصون وموظفون، لا تملى عليهم من قبل وزارة مسيسة، ولا تراقب من قبل حكومة أثيمة، ولم يحدثنا التاريخ عن تفريخهالمتطرفين حاقدين على الحياة والأحياء.
وكل الثورات والفتن التي كان المغرب مسرحا لها، ولم يخل منها عصر، سببها هو الاستبداد والقهر والبؤس والتهميش كما يقول الدارسون للتاريخ المغربي، ولم يقل واحد منهم: سببها التربية الدينية أو خطب الجمعة.
فلم تتهم التربية الدينية الآن بإنتاج الإرهاب وقد خضعت لفلترة مركزة، فلم تعد تزود التلميذ إلا بمفاهيم مسيسة يتقيؤها على أوراق الامتحان ثم يخرج من المؤسسة كما ولدته أمه؟! ولمتتهم الخطب في المساجد التي تحصى فيها أنفاس الخطباء والوعاظ الذين لم يعودوا يحدثون المستمعين إلا عن الحيض والنفاس وآداب المرحاض؟ ولم يطير الشباب الذي تربى في الغرب وتلقى تربية غربية علمانية محضة إلى المعارك والالتحاق بداعش؟ وما الذي ينقصه؟
أما المحللون الغربيون المنصفون فلهم رأي محترم ومنطقي، وأما التافهون عندنا فالتربية الإسلامية هي السبب على حد المثل: "هي عنزة ولو طارت!!".
ويوم وقعت الأحداث التي هزت فرنسا عممت الخطبة، فاستمع الناس إلى الخطباء وهم يحدثونهم عن الحرية والإرهاب والعدوان على الحياة وحق الإنسان في الاستمتاع بطيباتها وأن الذي يجود بها أو ينتزعها هو الله، ولولا بقية من الحياء لقال الخطيب: "ابن الله".
خرج الناس من المساجد، فمن قائل: اليوم لم تلوث أنوفنا بآداب المرحاض، ولكن لوثت أسماعنا وضمائرنا بالتمييز العنصري!! ومن متعجب: أين هذا الكلام يوم احتلت سوريا وقبلها العراق، أدماء الغربيين زكية طاهرة، ودماؤنا لا بواكي لها؟ ومن ساخر: أهذه الخطبة من وزارة الأوقاف المغربية أم من وزارة الأوقاف الفرنسية؟!
على أني لا أسمي هؤلاء الذين يفجرون أنفسهم أو ينازلون من هم أقوى منهم في عقر ديارهم إرهابيين متطرفين، بل هم مجموعة من المظلومين المنتقمين الرافضين للدنية في دينهم ودنياهم. لا يجدون رجلا رشيدا من بني جلدتهم يوجههم الوجهة الصحيحة، ويتحمل مسؤولية (إرهابهم وتطرفهم) أنظمة الاستبداد التي يحرسها العلمانيون ومن ورائهم الغربيون (الديمقراطيون أصحاب القيم والحضارة وحقوق الإنسان!!!).
على أن التاريخ يحدثنا أنه ما من أمة، دينية كانت أو دنيوية، إن صح أن في الدنيا أمة لا دين لها، إلا لها نصيب من هؤلاء الإرهابيين المتطرفين أو المظلومين الرافضين للدنية، وليست الأمة العربية بدعا منهم، فالصراع أبدي بين العدل والظلم، بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين القوي والضعيف (سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا)!!
والإرهاب مصدره الظلم الاجتماعي والفساد الإداري وانعدام الحريات والتهميش والإقصاء وعدم التداول السلمي للسلطة وما شئت من هذه الأوصاف المتوحشة.
تلكم هي التحديات الكبرى المنتصبة أمامكم يا بني علمان،فهل أنتممستعدون للتضحية براحتكم وأرواحكم وأرزاقكم في سبيل تحرير الأمة وإطلاق الحريات ونشر القيم والمساواة والحضارة وحقوق الإنسان وما شئتم من هذه الأوصاف التي تلوكونها بألسنتكم صباح مساء حتى فقدت معانيها وبريقها أم رباكم الغرب على عينه، وشكل أدمغتكم، فلا تتوجهون إلا إلى الوجهة التي يحددها لكم؟ ثم تعلقون مخازيكم على شماعة التربية الإسلامية!!
وأنا مستعد أن أدرس بجانب التربية الإسلامية أو بديلا عنها العهد القديم والأناجيل المقدسة التي هذبت غرائز الإنسان الغربي، فجعلته متسامحا، يدير خده الأيسر لمن ضربه على خده الأيمن، ولكن بشرط:
1 ـ أن تقنعوني أن هذا الإنسان المهذب المتسامح لم يحاول أن يفرض قيمه وثقافته وحضارته على الأمم الأخرى بالسلاح النووي، أو أن تقنعوني أنه بدع من الأمم، له الحق أن يرهب ويقتل ويذبح ويستبيح الأعراض والممتلكات، ولا يوصف بالإرهاب والتطرف ولا يحاسب!!!
2 ـ أن يقنع أستاذ الفيزياء تلامذته في المختبر وأن يبرهن لهم على أن الضغط يولد الاستسلام والسكون والهدوء!!
3 ـ أن يقنع أستاذ التاريخ تلامذته بنهاية التاريخ وسيطرة الرجل الأبيض وأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان!!
4 ـ أن تعتذر الوزارة عن فرض رواية (الريح الشتوية) سنوات عريضة على التلاميذ في المؤسسات، وهي رواية إرهابية بالمعنى الذي تضفونه على الإرهاب!
5 ـ أن تلغي الحكومة الاحتفال بعيد الاستقلال وما إليه من المناسبات الوطنية التي تذكر التلميذ بالحركات الإرهابية التي شهدها المغرب أيام ينشر الغرب قيم الحضارة والديمقراطية والمساواة وحقوق الأنسان!
6 ـ أن تتكفلوا بألا يقرأ التلميذ المغربي إلا المقررات المفلترة وألا يشاهد إلا القنوات: الأولى والثانية والسادسة!
7 ـ أن تثبتوا لنا بالدليل والحجة والبرهان أن (هؤلاء الإرهابيين) قبض عليهم وقرروا فاعترفوا أن التربية الإسلامية هي وقودهم!!
فإن لم تفعلوا ـ ولن تفعلوا ـ فاتقوا النار التي تطلقونها على أنفسكم والإرهاب الذي تمارسونه وتكرسونه بالقول والفعل، وتتهمون به الأبرياء، لقد افتضحتم واستبان لكل غبي ألاعيب الحواة التي تضللون بها العقول يوم كانت الأنظمة الوثنية تتحكم في نشر المعلومات وتشكيل الأدمغة، أما اليوم فالإنترنت والإعلام الفضائي سحبا البساط من تحتكم وجرداكم من الملابس الداخلية، فبدت لنا سوءاتكم، فلا تخصفوا عليها من ورق التربية الإسلامية التي لا ناقة لها ولا جمل في ميدان الإرهاب.
إن الأنظمة الاستبدادية ورعاتهم من الخارج لن يهدأ لهم بال بعد اليوم، لأن الرياح العاتية التي تهزهم هزا سببها هو الوعي المنتشر بين الشباب بفضل الإنترنت والإعلام الفضائي المفتوح، وكذلك انتشار الآفات التي ذكرناها آنفا، وانكشاف زيف الاستقلال وأن شؤون الأمة الخاصة والعامة تدار من وراء البحار، وأن الدمى المتحكمة في البلاد العربية بيادق على رقعة الشطرنج.
إن التربية الإسلامية إن كان لها أثر فلن يكون إلا أثرا إيجابيا، لأن مصدرها رحمة للعالمين، ترى الناس كلهم عبيد الله، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، وأن لكل واحد وجهة هو موليها، وأن لا إكراه في الدين، فمن شاء أن يعبد الله فبحظه أخذ، ومن شاء أن يعبد الشيطان فلنفسه يعمل، وأن الحرية مكفولة لكل أحد في الاعتقاد والتعبير والدعوة، ولكن الطواغيت يدركون أن رهانهم أمامها خاسر، إذا أطلقت الحريات للناس، لأنهم لن يختاروا بديلا عنها، فصاروا يرمونها بأدوائهم المزمنة ثم ينسلون، وإذا طالبتهم بالدليل على ما يدعون خنسوا أو قالت خنساؤهم: هناك (بعض الشارات التي ما هي إلا قشور الإسلام والتي تشكل تمظهرا للتطرف ككتابة باسم الله الرحمان الرحيم والأدعية وسور القرآن على الدفاتر وفي أوراق التحرير...)
كلا يا جدة التلاميذ! التطرف بعينه هو التدخل في قيم المجتمع الإسلامي وثقافته ومحاولة استبدال ثقافة الغربيين بها، لأن لكم مرتبات دسمة، تتقاضونها من منظمات لا تخفي أجندتها. خذوا المقررات، وتناولوا النصوص الموجودة فيها نصا، نصا، وضعوا أيدينا على مكامن الخطورة فيها، وقارعوا الحجة بالحجة، واحترموا عقول القراء والمشاهدين بل احترموا أنفسكممطبقين القاعدة الذهبية التي تتعلمها الناشئة التي تخافون على عقولها وقلوبها من التربية الإسلامية: (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) أما إطلاق التهم جزافا والتبجح بالتحضر المزيف وثقافة الاستعلاء فعملة المفلسين المتطرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
ترى ما رأيك في شعار: (الله الوطن الملك)؟ أنستبدل الياهو بالله حتى لا يغضب اليهود المغاربة؟ أم نضع بدلها "ابن الله" لنبرهن للغربيين أننا شعب متسامح؟ أم نستبدل بها الأفيون إحياء للعهد البائد؟ أم نحذفها بالمرة حتى لا نكون أضحوكة بين المتحضرين الذين يباركون بلدانهم باسم الرب!!!
على أن هاهنا مصطلحا كان يجب عليك أن توظفيه وتستشهدي به بدل التفاهات التي ذكرناهاأعني مصطلح" "إمارة المؤمنين" التي يعتز بها المغاربة، ويرونها رمزا لوحدتهم، وهو درس من دروس التربية الحقوقية في السنة الثالثة من التعليم الإعدادي أم التجرؤ على الله الحليم ورسوله الكريم أهون وأسلم للرقابالغليظة؟
rida
الكلام الموزون
تحية تقدير و احترام للأستاذ الكريم فعلا كل شئ أصبح مسيسا في بلاد المسلمين بما في ذلك الدين وعلى المثقفين و العلماء المتنورين الإستيقاظ من سباتهم و تنوير عقول الناس البسطاء الذين أريد لهم أن يكونوا كذلك ولعل مقالك هذا يصب في هذا الإطار فالبلاد مازلت بخير ما دام فيها مثلكم فلا تبخلوا علينا و الله الموفق