الصادق بنعلال
بغض النظر عما إذا كانت المحاولة الانقلابية التركية الأخيرة جاءت نتيجة تخطيط داخلي ، من قبل بعض العناصر الفاعلة في المؤسسة العسكرية الصرفة ، أم كانت نتيجة تدبير محكم مع أطراف أجنبية ،
لوضع حد نهائي لإحداثيات و مآلات الربيع الديمقراطي في المنطقة ، فإن الخلاصة واحدة ، و هي إجهاض أي حلم في بناء كيان سياسي ديمقراطي مستقل بحصر المعنى في العالمين العربي و الإسلامي ، و قد تجلى ذلك بوضوح بليغ منذ الانقلاب العسكري المصري سنة 2013 ، و ما استتبع ذلك من ثورات مضادة للحلم العربي في الحرية و العدالة و الكرامة ، في سوريا و اليمن و ليبيا .. و عزاؤنا الوحيد في هذا المشهد السياسي الدولي و الإقليمي بالغ الخطورة ، هو الوعي الحضاري الرفيع الذي أبان عنه الشعب التركي ، و نخبه السياسية و الثقافية ، حيث كان رفض الانقلاب العسكري الدموي عنوانا عريضا لكل الفاعلين السياسيين المؤيدين و المعارضين لتوجهات رئيس الدولة رجب طيب أردوغان ، و إقرارا لا رجعة فيه بمبدأ الشرعية الدستورية و التداول السلمي على السلطة .
***
و إذا ضعنا جانبا " مواقف " الدول العربية " غير المؤيدة " للاستحواذ العنيف على السلطة ! و بعض النصائح / التعليمات الصادرة عن المؤسسات و المنظمات و الدول الكبرى ، بضرورة احترام القانون الدولي في التعاطي مع منفذي الانقلاب الفاشل ، فإننا ننتهي إلى استنتاج دراماتيكي ، مفاده أن بعض تيارات العلمانية المتوحشة في العالمين العربي و الإسلامي غير مهيأة بالمرة لقبول مدخلات و مخرجات المنجز الديمقراطي المتعارف عليه دوليا ، و نخص بالذكر التعامل الإيجابي مع الخصوم الديمقراطيين الذين تجيء بهم أصوات الشعوب عبر استحقاقات سياسية حرة و نزيهة و ذات مصداقية عالمية !
***
و في ظل الضعف العربي و الإسلامي المبين ، و على جميع المستويات العسكرية و العلمية و الاقتصادية و السياسية .. تقف تركيا رجب طيب أردوغان نموذجا حيا و مثالا ساطعا ، لنجاح تيار الإسلام السياسي المعتدل و المؤمن بالقيم الديمقراطية و مستلزمات الحداثة ، في إحداث نقلة مفصلية بالمجتمع نحو الرفاه الاقتصادي و الاجتماعي ، و الاستقرار السياسي الكفيل ببلورة مشاريع تنموية عالية الجودة . لقد تمكنت حكومة أردوغان من أن تدافع عن المواطن التركي ، و تضمن له مختلف الحقوق المادية و المعنوية في تجربة ديمقراطية سليمة ، جمعت بين متطلبات الحياة اليومية المتنامية ، و بين الحفاظ على القيم الدينية و الحضارية الأصيلة ، في توليفة بالغة الانسجام و الاتساق .
***
لكن يبدو أن خصوم الإسلام الديمقراطي إقليميا و عالميا ، يسعون سعيا إلى إبراز الجانب المفضل عندهم أي القاعدة و داعش و النصرة و باقي الفصائل الدينية الدموية ، و الممارسة لأبشع مظاهر الإرهاب و القتل المجاني البغيض ! و كأنهم يريدون القول إن الفاعل السياسي الإسلامي لا يحسن إلا الدمار و الهيمنة و التحكم و خراب االبلاد و العباد . و حينما يستيقظون على وقع تجارب ديمقراطية ناجحة ، تمتح معطياتها السياسية و الاقتصادية و الرؤيوية ، من أطر مرجعية متنوعة ، من جملتها الدين الإسلامي الحنيف ، يصابون بالدوار ، و تنتابهم حالة من الحنق و العداء ، تجعلهم مستعدين لوضع يدهم في أيدي الانقلابيين و فلول الدولة العميقة ، و لتذهب مواثيق الديمقراطية و مبادئ حقوق الإنسان و قيم الحرية و المساواة و العدالة .. إلى الجحيم !
***
و بناء على ما سبق يمكن القول إن فشل الانقلاب العسكري التركي ، بفضل درجة الوعي الثقافي و السياسي للمواطنين ، قد يساهم في وضع حد لجنون الثورات المضادة و العبثية في البلدان العربية المثخنة الجراح ، و قد تعيد قليلا من العقل للمؤسسات العسكرية العربية ، التي لا تقوى إلا على قهر شعوبها ، أما بالنسبة لتيارات الإسلام الديمقراطي في المنطقة العربية / الإسلامية فليس أمامها إلا المزيد من الديمقراطية الحديثة المستندة إلى قيم المواطنة الحقة ، و احترام حقوق الإنسان كاملة ، مع العمل سويا و في مناخ من التسامح ، مع باقي أطياف المجتمع السياسي و المدني لبناء غد عربي – إسلامي أكثر عدلا و تقدما و ازدهارا !