أحمد البوشتي
يبدو أن الإختلاف الحضاري بمضمونه الديني والتاريخي موجه أساسي وبنيوي للسياسة الخارجية للدول الغربية وضمنها الولايات المتحدة الأمريكية،فهي تخشى أشد خشية قيام أي قوة عربية إسلامية قد تعيد توحيد المنطقة،ففي هذا السياق أفهم جليا زرع كيان صهيوني يحول دون اتصال دول شمال إفريقيا بمنطقة الخليج وبلاد الشام،خاصة بعد تأكد انهيار الإمبراطورية العثمانية وبوادر قيام دولة مصرية قوية قد تلتف حولها شعوب المنطقة .لأن القضية الفلسطينية هي نتاج تفاعل أطماع صهيونية و إمبريالية وعوامل محلية،وهي جريمة دولية باعتبار صك الإنتداب الصادر عن عصبة الأمم وقرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة.
إن مبدأ نبد الإختلاف الحضاري عامل رئيس تفاعل مع عوامل أخرى ليخرب العراق بعدما تبين للغرب أن هذا البلد بدأ يعرف نوعا من الإستقرار والتخلص من بعض تبعات حربه المفتعلة مع إيران،وأنه تقدم في تنفيذ برنامجه التعليمي،وتمكن من إعادة بناء مختلف قواته المسلحة،وأنه قد يجلب انتباه الشعوب العربية رغم بعض التحفظات .وقد أشار المفكر المغربي المهدي المنجرة إلى هذا العامل في كتابه "الحرب الحضارية الأولى" وقد التقط إشارة وزيرة خارجية أمريكا انذاك حين قالت "إن قيمنا تنتهك هناك"،ولعل اغتصاب العراق جاء في نفس السياق الامبريالي الذي اغتصبت فيه فلسطين وإن كان الأمر يبدو مختلفا،ومرة أخرى تعتبر الجريمة دولية باعتبار قرار مجلس الأمن الذي أعطى "الشرعية" لضرب العراق.وباعتبار المشاركة الدولية في هذه الحرب.
إن مجموعة من القضايا الشائكة والمفتعلة المرتبطة بالدول العربية الإسلامية خلقتها الدول الإمبريالية في الفترة الإستعمارية كما هو الشأن بالنسبة للصحراء المغربية،وهي نتاج خلق كيانات سياسية جديدة في مختلف المناطق المستعمرة ،وترك الحدود بين الدول القائمة غامضة،وذلك بهدف إبقاء الطرق مفتوحة في وجه الدول الغربية للتدخل في المنطقة متى وكيف تشاء ليس لحل المشاكل ولكن لمحاربة الإستقرار والتقدم في مناطق الإختلاف الحضاري.
يرى كثير من المهتمين بالشأن المغربي أن ما أقدمت عليه أمريكا مؤخرا من تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن يقضي بتوسيع مهام المينورسو ليشمل مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء ثم سحبه – يرونه – مخالفا لسياق تطور العلاقات الأمريكية /المغربية ،وللسياق الإقليمي المتمثل في دور المغرب في محاربة الإرهاب في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل،ولسياق التحسن الداخلي للمغرب على عدة اصعد،ولكني أجده عين السياق الإمبريالي المرتكزعلى نبد مبدإ الإختلاف الحضاري والحيلولة دون ظهور أي نموذج قد يشكل إستثناء عربيا، ولأن المغرب لم يحقق بعد ما من شأنه أن تلتف الشعوب حوله فإن التدخل جاء تذكيرا فقط على قدر الإنجازات.
تعالت في الآونة الأخيرة أصوات كثيرة ناصحة الدبلوماسية المغربية بتجاوز النظر من زاوية الحرب الباردة ،وعدم وضع بيضها كله في سلة أمريكا ، إلا أني أرى أن مثل ما أقدمت عليه هذه الأخيرة محتمل من طرف جميع القوى الغربية في جميع المناطق العربية الإسلامية وفق مبدإ مصلحتها الخاصة ومحاربة الإختلاف الحضاري،وعليه فإن الحل يكمن في خلق الرغبة الحقيقية لتحقيق إقلاع حقيقي ،ورص الصفوف الداخلية ، وتجاوز النزاعات الإقليمية المفتعلة ، وعدم التواكل على أية جهة خارجية.