محمد اسليم
عودة إلى النسخة الثانية لحكومة بن كيران، ولو بعد حين... فبعد أسابيع طويلة من الإنتظار، والتكهنات والإشاعات، وأيضا التجاذبات والتوافقات، والتي ظهر في الكثير من الأحيان أنها تتجه نحو اللاتوافق.. بعد كل هذا وذاك طلعت علينا نسخة معدلة لحكومة الإسلاميين، وهي النسخة التي جرّت وراءها الكثير من القيل والقال وأيضا كثرة السؤال.. وحالة من عدم الرضى بين فاعلين كُثُر في الميادين السياسية والإعلامية وأيضا الشعبية، وإن بحدة أقل.
رفع رئيس الحكومة عدد وزرائه إلى 39 وزيرا (مع أن الإنتظارات توجهت نحو تقليص العدد)، وهو ما سيحمل المالية العمومية ـ المرهقة أصلا ـ مزيدا من المصاريف قدرها البعض بحوالي الأربعين مليارا، وهو ما يوحي بأن عبد الإله بن كيران تعلم السير على خطى ماما فرنسا، والتي تتكون حكومتها من 37 وزيرا، مع فوارق كبرى إقتصاديا وجغرافيا وديموغرافيا وعسكريا ووو... وأيضا في تدبير الملفات والأولويات، فالفرنسيون يتوفرون على وزراء ووزيرات للأشخاص المسنين، وللفرنكفونية، ولفرنسيي العالم، ولحقوق المرأة، وللتنمية، وللأشخاص المعاقين ومحاربة الإقصاء وأيضا للتفوق الدراسي.. نعم وزيرة للتفوق الدراسي.. وبمحاذاة فرنسا تكتفي المملكة البلجيكية بثمانية عشر وزيرا، وإسبانيا بأربعة عشر فقط... ورغم أن السيد رئيس الحكومة تذرع بالرغبة في رفع التمثيلية النسائية ـ والتي بقيت متواضعة ـ إلا أن نساء عديدات عبرن عن عدم رضاهن، فهذه خديجة الزومي القيادية الإستقلالية تعلق على الأمر قائلة: "طموحاتي الشخصية كانت تنتظر نساء وزيرات، ولسن موظفات عند وزراء.. أغلب نساء الحكومة الحالية هن الآن منتدبات لدى مجموعة من الوزراء.."
عملية توزيع الحقائب التي حصل عليها التجمعيون، تلتها إنتقادات من الأحرار أنفسهم، لتحكم عناصر الإنتماء العائلي والضغوطات في تحديدها.. فوجوه قوية من الحزب فرضت أبناءها أو بناتها، وأزواجها وإلا فأقارب لها ولربما أصدقاءها... وهو ما أعاد أزمة ديموقراطية الأحزاب للواجهة.. أمر وصفه أحد الظرفاء بلوزيعة الوزارية..
وكما أن "لوزيعة" أفرزت مستفيدين، فهي أيضا خلفت ضحايا أبرزهم سعد الدين العثماني، الرجل الثاني في حزب المصباح، والذي جُرّد من حقيبته في الخارجية، ليتولاها مزوار ـ وهو أمر إستفز الكثير من البيجيديين ـ وهو ما أرجعته صحيفة الواشنطن بوست إلى مواقف العثماني كدعمه للرئيس مرسي، وخلافاته مع قادة بعض الدول العربية كالسعودية والكويت والإمارات...
ومن الضحايا أيضا امحند العنصر، والذي تقهقر في سلم المسؤولية الحكومية من وزير للداخلية ليتقاسم مع نبيل بنعبدالله وزارته، وهو ما اعتبرته بعض التحليلات ثمنا لبعض الأخطاء المرتبطة بتدبير ملفات ذات طابع أمني بالأساس، كالتدخل العنيف الذي طال المتظاهرين في ملف دانيال وأحرج المملكة.