يوسف كبيطي
لقد أدى التقدم السريع والهائل في تكنولوجيا الاتصال والمعلومات الى إحداث طفرة نوعية على كافة مناحي الحياة،بحيث أضحى الاعتماد على الوسائل الالكترونية الحديثة ضرورة حتمية لا مفر منها تسعى الدول لتحقيقها من خلال الانتقال الى التدبير الرقمي بدل الطرق والأساليب التقليدية،بهدف ارساء مجتمع عصري قادر على مواكبة الركب الذي أحدثته الثورة المعلوماتية.
ولا شك أن التطور السريع لتقنيات المعلومات والاتصالات سيشكل تحديا لجميع المجالات والأنشطة والممارسات في المجتمع وعلى رأسها الادارة،باعتبارها البنية الأساسية لأي نشاط إنساني،إذ لا يمكن مسايرة التطورات التي يعرفها العصر دون تطوير الادارة لتواكب التحديات التي هي سمة القرن الواحد والعشرين،بحيث تعددت التسميات التي يمكن أن تستعمل للدلالة على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في العمل الاداري كالرقمنة والإدارة الرقمية والإدارة الالكترونية وغيرها من المفاهيم المتقاربة.
وفي هذا الصدد،ارتكز القانون رقم 54.19 بمثابة ميثاق المرافق العمومية على الرقمنة للتأسيس لخدمة عمومية ذات جودة عالية سهلة الولوج وشفافة،كما تمت بلورة وصياغة القانون رقم 55.19 المتعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية اعتمادا على الرقمنة كآلية لتفعيل هذا القانون ولبلوغ أهدافه المتمثلة في تعزيز الثقة بين الإدارة والمتعاملين معها،الى جانب القوانين ذات الصلة بالمجال الرقمي من قبيل القانون 53.05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية والقانون 43.20 المتعلق بخدمات الثقة بشأن المعاملات الالكترونية والقانون رقم 08.09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي ...
وإذا كانت أهداف الرقمنة تتجسد بالأساس في تبسيط الاجراءات والمساطر الادارية وعصرنتها وتجاوز الاكراهات التي كانت تعترض الخدمات التقليدية،من خلال الحرص على الاستخدام الأمثل لوسائل التكنولوجيا الحديثة لما لها من امكانيات وقدرات في تلبية حاجيات ومتطلبات المواطنين والمواطنات بشكل سريع وسلس،وكذا تسهيل الخدمات المقدمة للمرتفقين عن طريق معالجة الملفات والمهام المرتبطة بالإدارة بطريقة الكترونية تعتمد على الإنترنت فقط،فإن تعميمها ليس بتلك العملية السهلة بحيث هناك مجموعة من التحديات والإكراهات منها ما يتصل بواقع رقمنة الخدمات الادارية (قلة الموارد البشرية المؤهلة والمختصة في المجال المعلوماتي ومحدودية التجهيزات المعلوماتية وضعف الميزانية المرصودة لرقمنة الخدمات العمومية)،ومنها ما يرتبط بالمخاطر الناجمة عن الاختراق المعلوماتي والفجوة الرقمية(الجرائم المعلوماتية التي تعيق تقديم الخدمات بجودة عالية بحيث تظل المخاطر واردة الى جانب ضعف الترسانة القانونية المؤطرة للخدمات الرقمية) وخير مثال على ذلك تطبيق هويتي الرقمية الذي اعتمدته وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة للتسجيل في مباراة التعليم والترشيح لاجتياز امتحان البكالوريا بالنسبة للأحرار،بحيث اعترضت المترشحين مجموعة من الصعوبات - والذي وصفت من قبل البعض بالسهل الممتنع،فيما وصفها البعض الآخر بأنها أسلوب من أساليب الاقصاء المباشر- منها ما يتعلق بالجانب التقني للتطبيق المعلوماتي الذي لا يتعرف على المعلومات المضمنة بالبطاقة الوطنية للمترشح،ومنها ما يتصل بالأجهزة المستعان بها والتي ينبغي أن تتوفر على خاصية NFC الشيء الذي قد يساهم في حرمان شريحة واسعة من التسجيل الالكتروني وبالتالي فوات الفرصة هذا من جهة،ومن جهة أخرى إذا كانت الهوية الرقمية تسمح بالولوج إلى الخدمات عبر الإنترنت بطريقة آمنة وبسيطة و ذلك باستخدام البطاقة الوطنية للتعريف الإلكترونية على الهاتف الشخصي فإن الأمر سيزداد تعقيدا في الحالة التي قد يتم الاستعانة بهاتف شخص آخر للقيام بهذه الخدمة وبالتالي تعريض المعطيات الشخصية لخطر سوء الاستعمال أو استغلالها في أمور قد لا تحمد عقباها.
ولعل الاعتماد على الرقمنة في كافة المعاملات بكونها حجر الزاوية في اصلاح الادارة،يتطلب تجنب النقائص التي تعتري بعض جوانب الاصلاح الرقمي الذي سيؤثر لا محالة على الأهداف المنشودة منها وعلى الاستراتيجية التي تروم الدولة الى تحقيقها.
وفي الأخير يمكننا القول بأن الحديث عن رقمنة الخدمات الادارية ليس بالأمر الهين،كما أن الرقمنة بمفهومها الدقيق وأهدافها الاستراتيجية لا تتوقف على الاستعانة بوسائل التكنولوجيا الحديثة من أجل تقديم خدمات عن بعد للمرتفقين بقدر ما ينبغي أن تقدم هذه الخدمات بطريقة سلسة وسهلة وهذا ما لا يتحقق في العديد من الخدمات الرقمية المبرمجة والتي تم اعتمادها من قبل الادارات والمؤسسات العمومية المغربية ولعل خير مثال على ذلك ما ذكرناه أعلاه.
كما ان إنجاح ورش الرقمنة رهين بتحسين البيئة التشريعية التي تضمن حماية البيانات والمعطيات الشخصية للمرتفقين من مخاطر الجريمة المعلوماتية،بما في ذلك الفيروسات والهجمات الالكترونية والاختراقات التي تطال سرية المعلومات،الى جانب تأهيل الرأسمال البشري في المجال الرقمي لتجاوز الاشكالات والتحديات التي تطرحها البيئة الرقمية.