محمد بنيعيش
1) لم نكن نريد أن نحشر أنوفنا في هذا الموضوع بسبب احترام التخصصات ومبدأ أهل مكة أدرى بشعابها ، لكن وبعد المتابعة والقلق من المآل الذي بدأت تتردى فيه دراسة الطب في بلادنا بسبب الاختلاف بين طلبة الطب والحكومة المغربية الحالية ، والمتمثلة في الوزارتين الوصيتين على القطاع وهما :وزارتي التعليم العالي والصحة.
لكننا ومن باب المسؤولية الأبوية والوطنية ، وجدنا أنفسنا ،حرصا على مصلحة أبنائنا وبناتنا ووطننا،مضطرين للإدلاء بدِولنا في المسألة على أمل أن يجد المتعارضون حلا وسطا لإخراج هذا المجال الحيوي في البلد و سائر العالم من عنق الزجاجة ،وذلك لإجراء عملية جراحية بسيطة ومشتركة بين الطرفين لعلاج العائق الذي يحول دون استئناف الدراسة في كليات الطب مع رضاء الطرفين ومراعاة المصلحة العليا للوطن بكل مقوماته وفئاته.
ليست المشكلة في عدد سنوات الدراسية تمديدا أوتقييدا وإنما يكمن في نوعية التكوين وجدية وابتكار الحوافز للطالب المغربي كي يصبح طبيب المستقبل ، مؤهلا نفسيا وأخلاقيا وعلميا وتقنيا على حد سواء . إذ خسارة طبيب هي خسارة صحة آلاف المواطنين وتعطيل شغلهم وتقليص نمو اقتصاد بلادهم وضعف حلقة تواصلهم وما إلى ذلك ، وهذا ما لا يفهمه كثير من المسؤولين الذين لم يزاولوا ميدان الطب أو العمل الصحي برمته في الميدان . ولهذا ففاقد الشيء لا يعطيه ومهمل الشيء لا يعثر عليه ولو كان موضوعا في بؤبؤ عينيه.
إن طلبة الطب هم أبناؤنا وبناتنا ، وهم رمز لسمو مبادئنا ، ببذلتهم البيضاء والخضراء الناصعة ،حينما نتعامل معهم بكل احترام وتقدير للمسؤولية الكبرى التي هم مقبلون عليها ،التي هي مسؤولية الأرواح وصحة الأبدان الضمنة لصحة ما بعدها بالضرورة والتسلسل التملازم .ولقد قال العلماء قبلنا كاعتبار للأولويات:صحة الأديان من صحة الأبدان .
وحينما تضيع سنة كاملة من تكوين جيل أهل صحة الأبدان فإنها قد تكون مضيعة لصحة الأديان والأوطان معا . لأن الشخص المريض قد لا يستطيع أن يقوم بأبسط الأعمال حينما يتعرض للعجز فتنقص معه المردودية والعطاء سواء في باب الدعوة أو البناء والتشييد أو عند الدفع بعجلة اقتصاد البلد نحو الرقي والازدهار ...
2) كيفما كان تعقيد الخلاف بين طرفي النزاع في هذا المجال فإنه من المفروض على من يتحمل مسؤولية الحوار أن يراعي هذه المبادئ والأولويات للوصول إلى حل سريع ومعقول يرضي الطرفين ويحمي المصلحة الوطنية قبل كل شيء !.
وأشير هنا إلى أن الأولوية في الاستماع ومراعاة المطالب ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار المشتكي وصاحب المطلب ،والذي ليس هنا سوى طلبة الطب الذين يساورهم قلق على مستقبل دراستهم ومآلهم المهني والتكويني . بحيث إذا كان المسار ضعيفا وهشا فإنه لا محالة سينعكس سلبا على المرضى والوطن ككل . إذ نفسية الطبيب ينبغي أن تحترم وتوفر لها كل لوازم الاتزان والاستقرار والتبصر للقيام بعمله على أحسن وجه وبنجاح مضمون ،وإلا فالعشوائية والغوغائية في مجال الطب والعلاج إن هي حصلت فستكون خطأ وتهاونا بحياة البشر وصحتهم ، حيث المخاطر المحدقة والمزالق المرهقة والسهو والنسيان مع العجلة في التشخيص والعلاج !!!...
فيما بدا لي وفهمته من أقوال الطلبة هو أنهم يشتكون في اعتراضهم على ست سنوات دراسة بدل سبع، من ضعف التكوين بسبب الازدحام وعدم قدرة المؤطرين على استيعاب العدد الهائل من الطلبة ، إما في المدرجات أو في ميدان المستشفيات حيث قد يصل عددهم إلى ما يفوق العشرات ،الشيء الذي يؤدي حتما إلى التدافع والالتقاط غير المضبوط للمعلومة وغياب التطبيق الدقيق ، ناهيك عن النقص الحاد في التجهيزات والمحفزات المادية للطلبة من حيث جمود المنح أو حتى الأجور بعد التخرج وقضاء سنوات طوال في الدراسة من غير تعويض مناسب للمتاعب التي تحملوها دراسة وتدريبا وسهرا ...وهو الشيء الذي قد يسبب لبعضهم غبنا ربما يهيئهم نفسيا لطلب التعويض ولو بمغادرة الوطن للحصول على امتيازات لم تتوفر لديهم هم فيه.
وإذا كان الأمر هكذا فلم لا يبادر المسئولون عن القطاع بكل أريحية إلى محاورة الطلبة ،أطباء المستقبل، وعلى استعجال ،اليوم قبل غد، للاستدراك وحل الإشكال بالتوسط في الحلول حتى لا تضيع سنة دراسية كاملة ويضيع معها عمر الطب والطبيب والمريض والوطن معا...هذا رأي ولا ألزم أحدا والله الهادي إلى الصواب وما فيه مصلح البلاد والعباد!!!.