المعارض الجزائري أنور مالك يكشف بالرباط أدلة تورط الجزائر والبوليساريو في جرائم ضد المحتجزين بتندوف

برادة: مدارس الريادة حققت نتائج مهمة جدا وبشهادة الجميع

الوقاية المدنية تسيطر على حريق مهول بأحد المطاعم الشعبية بوجدة

الجيش الملكي يجري آخر استعدادته لمواجهة الرجاء

المعارض الجزائري وليد كبير: ندوة جمهورية الريف تؤكد أن نظام الكابرانات أيقن أنه خسر معركته مع المغرب

كواليس آخر حصة تدريبية للرجاء قبل مواجهة الجيش الملكي في عصبة الأبطال الإفريقية

التعليم مرة أخرى..

التعليم مرة أخرى..

يوسف عشي

 

إذا كان التعليم ميدان صنع المواطن، وكان المواطن حجر الزاوية في بناء الأمم، وكانت الأمم في سباق دائم نحو التقدم بهدف تحقيق الرقي والرفاه.. صار لزاما على كل متتبع للشأن التعليمي ببلدنا السعيد أن يترك خانة المتابع السلبي.. ورمي العبارات المعقبة و"المعوقبة" هنا وهناك دون سبر لغور التردي اللاأخلاقي -كما نزعم- للواقع التعليمي ببلدنا العزيز..

       إننا في هذه المساهمة الخجولة نبتغي وضع الإصبع على ثلاث نقاط أساسية نجملها في صيغة ثلاثة أسئلة مؤرقة:

-          هل استقالة الأسرة تربويا وتردي الانضباط الأخلاقي الملازم لقتل هالة الاحترام، وربما القداسة التي كان يتمتع بها المعلم هي ما أدى للنكبة التعليمية التي يشهدها البلد؟

-          هل ما يشهده الواقع التعليمي من مظاهر يندى لها الجبين، هو من وقع تردي وانحطاط الركن الأساس في العملية التعليمية التعلمية وهو "الملعم"؟

-          هل ما يشهده التعليم ببلدنا سببه تهاون أصحاب المسؤولية في الأمر؟ الوزارة الوصية لمناط وصايتها؟

      ربما يقول قائل أننا نعيش في زمن انفصال الفرد عن الأسرة، بل يدافع بمنطق التقدم الأوربي الذي أسس للفردانية ومجدها، وبالتالي ينتقل النقد من انتقاد بعض الانزياحات الأخلاقية التي تشهدها بنية الأسرة، إلى انزلاق أخطر يربط الحداثة والتقدم بالتأخر الأخلاقي. ففي الوقت الذي كانت فيه السلطة الأبوية متجذرة وراسخة ترمي بظلالها السلطوية وربما الفاشية على جميع مناحي الحياة التربوية داخل الأسرة، كنا نشهد انضباطا لا مثيل له، وارتباطا بالمبادئ، كنا نحسد عليه، لكن مع سياسية الانبطاح للفكر الغربي الذي أُخِذً سلة كاملة في مجمله، بدل أن ينتقى منه أحسنه -كما يقول خالقنا جل وعلا {الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه}- جرى استبدال ميزان قيم بآخر..

      وعوض انتقاد عنصر السلطة، تم انتقاد عنصر الثبات. لقد تم انتقاد أبوية الأسرة وهي أبوية بالمعنى الأنثربولوجي للكلمة، نحو أسرة بات يطلق عليها أسرة المرأة وباتت أفكار خطيرة تمرر بكل سلاسة (كلشي من لمرا) (الرابح من المرا والخاسر من لمرا) (هذا زمن العيالات). المصيبة لم تتوقف عند حد القول -على سطحيته- بل تعدت إلى ترك الأمير أسريا لسلطته، وتنقيلها إلى غير من يستحقها.. فكانت النتيجة كارثية.. انهار المثال رغم سلطويته. وتلا انهياره فراغ أبوي نتج عنه انهيار نموذج الإذعان حتى بتنا نرى عدد ملفات العنف ضد الأصول بالمحاكم يرتفع.. ونقرأ ونسمع عن جرائم جنسية يندى لها الجبين تتم داخل مؤسسة الأسرة.. فكيف بالنشأ الذي يتربى داخل أسرة فقدت هويتها، وانزاحت في اتجاه فردانية غير مضبوطة ولا مفهومة، فردانية تفهم الحرية بالفوضى ولا تقرن الحق بالواجب.. حتى بتنا نسمع عن ظواهر العنف في كل مكان.. العنف الذي بلغ الحصن الحصين للتربية، المدرسة.. فبتنا نسمع عن تلاميذ يعنفون أساتذة ومعلمين ، ومعلمين أو أساتذة يرتكبون جرائم تربوية وأخلاقية في عقر دار بيت التربية، المدرسة، بتعدد مستوياتها.

     إن هذا يدفعنا إلى استخلاص أول جواب على أول سؤال: إنها الأسرة التي قدمت استقالتها تربويا وأخلاقيا وما عادت قادرة على إنتاج من يخدم هذا الوطن، فبات بالتالي العقل الثاني بعدها هو ما تناط به مهمتها إلى جانب مهمته وطبعا ما ابتدأ ونشأ مائلا.. يتعسر إصلاحه.. وبالتالي بات المجال التعليمي ضحية لسوء التربية، إذ كيف لفاقد الشيء أن يعطيه(ونقصد هنا التلميذ، والأستاذ لاحقا).

     نعرج الآن نحو النقطة الثانية، حيث نغوص أعمق وأعمق في وحل الحقل التعليمي ببلدنا، لنجد واقع الحال يجيبنا من حيث انتهينا في النقطة الأولى كيف بمن يفتقد لشيء أن يعطيه، حين نجد المبدع الأول في العملية التربوية هو من يهتك عرضها، وهو من يدمر أساسها، سواء مكرها كان أو متخيرا.. حين يرتكب المدرس أبشع الجرائم باغتيال الطفولة في مهدها تعليميا وتربويا، فماذا ننتظر من تعليمنا، حينما يمارس الأستاذ العادة السرية في القسم أمام مرآى ومسمع من التلاميذ والتلميذات، وحين يصور المعلم طفلة بريئة ويتباهى بإذلاله لها لأنها لا تعرف الكتابة، وهو المسؤول الأول عن ذلك لكونها على الأقل في المرحلة الابتدائية الأساسية، تطل نظرة البراءة من "نادية" لتخجل أمة بأكملها دون أن تنبس ببنت شفة.. تقول لنا جميعا.. بنظراتها البريئة.. الحاملة لكل معان الدنيا.. أيها الوطن البئيس.. يامن قدر لي أن أعيش بين أحضانه !.. بعتني بفسفاط أو قصدير أو حديد أو نحاس !.. بعتني بقمح أو شعير أو حوامض !.. بعتي بميزانيات حكومات تتآكل من حكومة لأخرى !.. بعتني لمن يجلدني !.. ويقتل فيَّ الروح الآدمية !.. بعتني لمن يسخر مني عوض أن يعلمني !..

     إنها الوقاحة بأعلى صورها.. والإجرام في أعتى حالاته.. ولأن العرب قالوا قديما : "من مأمنه يؤتى الحذر"، فحقا من أمِنَه أب "نادية" واستأمنه عليها ليعلمها استجابة منه لحق الفتاة القروية في التعلم.. ها هو يجعله يندم أشد الندم، حين تتحول ابنته إلى وصمة عار عليه وتبلغ سيرتها الأفاق.. كطفلة لا تعرف كتابة حتى رقم 5.. وتُراه يلعن اليوم الذي قرر فيه تعليمها!.. ليس خطأ منه، بل بسبب ذاك الذي كاد أن يصبح رسولا.. والذي أصبح بالفعل مجرما..

    ربما يحيلنا هذا إلى الإجابة على سؤالنا الثاني: حين يتردى مستوى المدرس القيمي والأخلاقي، دون الحديث عن المعرفي.. فحينها ماذا ننتظر من تعليمنا أن ينتج؟ إن عصب الأساس في التعليم.. من يخربه.. وتلك حقيقة لعمري تشكل كارثة..

     وانتهاءا إلى النقطة الثالثة، نجدنا نواصل الغوص أكثر وأكثر في وحل قذارة الواقع التعليمي بهذا البلد السعيد، حيث تشير التقارير الدولية في أعلى مستوياتها بتدني مرتبة المغرب دوليا، بل إن دول أو حتى سلطات محلية لا تزال تقاوم المستعمر وتعيش في واقع بئيس ك"غزة الأبية" مثلا صنفت في رتب أعلى بكثير من المغرب. وإنه لمن دواعي الاستهجان الشديد أن نسجل مع مرور السنين في تاريخ التعديلات في البرامج التربوية التدني وراء التدني.

      ويؤكد العديد من الأساتذة الذين شارفوا على إنهاء مشوارهم المهني والذين عايشوا ما سمي "إصلاحات" : أنه كلما تم تعديل أو إصلاح البرنامج التعليم إلا وأُتِي بالأسوأ منه.. للدرجة التي وصلنا فيها في النسخة الحالية الموسومة ببيداغوجيا الكفايات، وصلنا إلى كتب مدرسية مشوهة، والأدهى والأمر أنه حتى بعد اعتماد تعدد الكتاب المدرسي إلا أن السمة الأساسية والعامة للكتب المدرسية هي "الخطأ" ولسان حال الأساتذة يقول: كيف ندرس التلاميذ ببرامج وكتب مدرسية مليئة بالأخطاء؟.. وياليت لو كانت الأخطاء مطبعية لهان الأمر ولمنا الناشرين والمطابع.. ولكنها أخطاء معرفية وتربوية فادحة.. أما الكارثة الكبرى.. فتكمن في ما قد نسميه الشلل النصفي الذي تعيشه المنظومة التربوية حاليا بعد أن طرد السيد "الوفا" قبل أن يغادر وزارة الحرف "سيرفور" البيداغوجيا المعتمدة "ر. كسافيي "قبل أن يُعِدّ البديل.. فصار المدرس دون سقف بيداغوجي.. هل يعتمد بيداغوجبا الكفايات بعد أن طرد كزافيي من المغرب؟ ولِمَ هو ملزم باتباعها إذا كانت الوزارة حتى بعد التعديل الوزاري لم تعط أي مؤشر على تبنيها لبيداغوجيا واضحة فلا نحن في الأهداف ولا في الكفايات، أما بيداغوجيا الإدماج التي صرف على تطويرها ماشاء الله أن يهدر من أموال دافعي الضرائب.. فقد أعدمت قبل أن تولد..

     كيف لوزارة تحترف التقليد المشوه أن تبدع رجالات البلد؟ كيف لمن ينتظرون فتات بلاد موليير أن يبدعوا أجيالا؟؟.. وكيف لبلد تسير بأقدام تربوية تعليمة أقل ما توصف بعه أنها عرجاء.. أن تسير في درب التقدم الطويل والشاق؟؟؟ إن تعليمنا أيها القارئ العزيز.. جسد بلا روح..

     وإذا كان "دوركهايم" يعرف فعل التربية على أنه نقل المعارف من جيل الكبار إلى جيل الصغار.. فإننا في المغرب لا ندري ماذا ننقل أمعارف أو مهارات أو دمج السلوكيات الحياتية في التعلم.. وبكثرة الحديث عن الوضعية المشكلة صرنا فعلا نعيش وحقيقة وضعية مشكلة.. كيف لتعليم فاقد للهوية بعيد عن المناهج التربوية التي أثبتت جدارتها في بلدان العالم المتقدمة، كيف له أن ينتج لنا مواطنا حقيقيا قادرا على صنع الأمجاد لهذا البلد؟.. هيهات!.. فاقد الشيء لا يعطيه.. كررنا هذه الجملة أكثر من مرة.. ولربما صارت هي القاعدة الأساس في ما يمكن أن نخرج به من استنتاجات من خلال هذه المساهمة البئيسة في التفكير في الواقع التعليمي بهذا البلد السعيد..

     قد يتهمنا البعض بالعدمية والانهزامية، والتشاؤم..لكن "مافي الهم غير اللي كيفهم" ذلك الوعي الشقي بتعبير "هيغل" هو ما يدفعنا لأن نتحسس انسدادا في الأفق التعليمي بهذا الوطن العزيز.. ترى ماعساه أن يفعل "المجلس الأعلى للتعليم"؟ وهل الأزمة لدينا أزمة مجالس؟؟..

    إنها أخيالقارئ أختي القارئة أيها المواطنون الأعزاء: أزمة رؤية.. وأزمة إرادة حقيقية.. وأزمة أخلاق..


عدد التعليقات (1 تعليق)

1

اريج

التعليم

حينما تعطى للاستاذ مكانته في مجتمعه وذلك عبر تاهيله ماديا اولاواساسا حتى نذوب فيه ذلك الشعور بالحكرة والاهانة والمذلة ,انذاك يصبح الكلام والنقاش حول التعليم ببلادنا مشروعا ومجديا. ولنا حجتنا في تاريخ بلادنا حيث اذا رجعنا الى فترات الستينيا ت والسبعينيات والثمانينيات سنجد ان المكانة التي كان يحتلها الاستاذ لها علاقة براتبه المحترم اذ لم يكن يختلف هذا الاخير عن راتب زملائه في القطاعات الاخرى كالعدل والداخلية والمالية والتكوين المهني ....... اما وان اصبح الاستاذ في عصرنا الحالي مغلوبا على احواله فمذا عسانا ان ننتظر منه غير الابتزاز والحقد والتهاون في العمل والللامبالات في كل شئ . فلننتظر رحمة ربنا واخلاص .

2014/12/17 - 04:24
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

*
*
*
ملحوظة
  • التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
  • من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات